أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

قصة سيدنا يوسف باللغة العربية (العامية المصرية) من سلاسل قصص الأنبياء

سيدنا يوسف كان لِسّه طفل لمّا شاف في المَنام إن الشمس والقمر و 11 كوكب معاهم بيكرّموه ويسجدوا ليه..

الحِلم دا كان رؤيا صادِقة هتتحقق بعد فترة يعلمُها الله, بس هو كان لِسّه صغير على رؤيا عظيمة زي دي

راح لـ أبوه يعقوب علشان يحكيله الحلم ويسأله عن معناه , سيدنا يعقوب كان نبي حكيم عالِم وفاهِم, فكان من الطبيعي يفهم إن دا مش مجرد حلم , دي رؤيا , رؤيا عظيمة وعلامة مُهمة بتأكد إن ابنه يوسف هيكونله مستقبل عظيم أو نُبوة

فـ وصّاه إنه مايحكيش لـ إخواته عن رُؤياه , أصل الرؤيا دي ليها دلالة مُهمة على فضل عظيم هيتحقق لسيدنا يوسف وده بطبيعة الحال هيكون سبب قوي يخلي الشيطان يوسوس لإخوة سيدنا يوسف فيدبّروله مكيدة تئذيه..{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} .. [سورة يوسف]

 

[إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ الجُملة دي تعليل , بتوضّح السبب إللي ممكن يخلي إخواته يحسدوه فيئذوه هو وسوسة الشيطان مش لأي أسباب تانية ..

 

توضيح السبب ده كان نُقطة مُهمة جداً في كلام سيدنا يعقوب , من خلالها سيدنا يوسف هيفهم إن الشيطان هو السبب فـ مايحسش بأي كراهية أو ضيق في قلبه من ناحية إخواته]

 

سيدنا يعقوب كمّل كلامه فطمّن ابنه إن ربنا زي ما اختاره وأكرمه بالرؤيا دي , هيتم كرمه عليه ويزيده من فضله بتحقيق الرؤيا ويختاره للي أعظم منها فيرزقه صِدق الحدس ونفاذ البصيرة إللي يخلّوه قادر على تفسير الأحلام وتعيبر الرؤى تعبيراً سليماً صحيحاً صادقاً.. {وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } .. [آية 6 : سورة يوسف]

 

ويكون إكتمال النِعَم دي كلها وتمامها بـ اصطفاء الله له للنبوة , زي ما سَبق وأتمّ نعمته - سبحانه- على جدوده الأكرمين , سيدنا إسحاق ووالده إبراهيم.. { وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَىٰ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .. [آية 6 : سورة يوسف]

 

سيدنا يوسف كان ليه 11 أخ .. 10 منهم من الأب , وواحد بس إللي كان شقيقه من الأم والأب..

أغلب الظن إن نفوس إخواته العشرة ماكَانِتش صافية من ناحيته , الشيطان وقتها كان بيوسوسلهم ويقارنلهم حاله بـ حالهم ..إبتدت قلوبهم تشيل له غِيرة وحسد بسبب الحُب العظيم إللي في قلب أبوه ليه , وبسبب تفوّقه عليهم خَلقاً بالجمال , وخُلقاً بالحِكمة والفِطنة والأفعال والأقوال

 

الحَسد ده زاد وزاد لحد ما تحوّل من مشاعر لأفعال .. فـ اجتمعوا في يوم من الأيام وتشاوروا في أمر سيدنا يوسف , كانوا شايفين نفسهم مجموعة من الأقوياء القادرين على جَلب المنفعة وإبعاد الضرر , فمش من مَقامهُم إن أبوهم يظلمهم ويفضّل يوسف وأخوه عليهم.. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) ..[ آية 8 : سورة يوسف]

 

[حِقدهم على سيدنا يوسف كان ظاهر حتى في كلامهم لدرجة إنهم ما صرّحوش باسم أخوه بنيامين , إكتفوا بالتعبير عنه بـ إضافة العلاقة إلي بتربطه بسيدنا يوسف ؛ للإشعار بإن حُب سيدنا يعقوب لـ بنيامين نابع في الأساس من إنه شقيق سيدنا يوسف!

 

جُملة إن هي تعليل , بيريّحوا ضميرهم من تفكيرهم ومكرهم وعواقب مكيدتهم إللي بيكيدوها لسيدنا يوسف , بيبعدوا عن نفسهم الإحساس بالذنب في دهكله بإعلان إن أبوهم هو السبب في عدم تقديره للأمور بشكل صحيح..

 

لكن إتهامهم ده ماكَنش في مَحلُه .. لأسباب كتير إتقال منها :

 

- إن سيدنا يعقوب كان بيفضّل سيدنا يوسف بسبب صِفاته الحميدة إللي لو هُمّ إتصفوا بيها كانوا لاقوا منه حُب مُشابه لحُبه لسيدنا يوسف.

 

- إن سيدنا يعقوب كان شديد الرحمة والإعتناء بسيدنا يوسف وأخوه بنيامين بسبب صغر سِنّهم ووفاة أُمهم.

 

- قيل إن تفضيل سيدنا يعقوب لسيدنا يوسف كان في المشاعر القلبية إللي ملوش تحكّم فيها وبالتالي هو غير مُؤاخذ بيها ولا مُحاسب عليها , إنما في التصرفات الظاهرية والمُساواة الفعلية كان سيدنا يعقوب مابيفرّقش في المُعاملة , وده كلام منطقي يليق بقدر نبي كريم زي سيدنا يعقوب إستحالة يكون سبب في نشأة بغضاء بين الإخوة بسبب تفريقه في المُعاملة!]

 

من كتر الحقد الشيطان قدر يقنعهم بـ إن حل مُشكلتهم هو قتل أخوهم يوسف, أو على الأقل نَفيه في مكان بعيد عن عين أبوه , وساعتها هيموت لوحده فيتحقق المُراد في الحالتين {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا} .. [آية 9 : سورة يوسف]

 

كانوا فاكرين إن غياب سيدنا يوسف عن أبوه هيخليه يتمسك بباقي أولاده أكتر فيتحوّل كل حُبه إللي كان ليوسف , لحُب خالص وإهتمام بالغ بيهم هُمّ! .. {يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}

 

ومن بعدها التوبة هتكون حل مثالي لإسكات ضمائرهُم وبداية جديدة ليهم تجعلهم من الصالحين في دينهم , بعد ما أصبحوا من الصالحين في دُنياهم بإكتمالها وإختفاء المُنغصّات منها.. {وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ}

 

واحد منهم أشفق على أخوهم يوسف , أو إستعظم فعل القتل نفسه فخاف منه ومن عاقبة أمره, فإقترح عليهم حل بديل يتلخص في رمي سيدنا يوسف في أحد الآبار إللي في طريق الأسفار , وبالتالي أكيد عن قريب حد هيلاقيه وياخده معاه يسافر بيه

 

بكده هيحموا نفسهم من ذنب القتل , وفي نفس الوقت هيتحقق المُراد بإبعاده عن أبيه عن طريق سفر الناس بيه فتزيد المسافة فوق البُعد بُعد.

 

{قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ}.. [آية 10 : سورة يوسف]

 

[إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ يعني إن كنتم مُصممين على فِعل ما عزمتم عليه ..والجُملة دي فيها تحريض على عدم الإستعجال وإعادة التفكير لعلّهم يُقررون الرجوع عمّا خططوا له .. وفي نفس الوقت فيها إشعار بإعادة الأمر إليهم , بمعنى إن أخوهم ده إقترح مجرد إقتراح ثُم فوّض الأمر والقرار إليهم , تعظيماً لهم , وحذراً من سُوء ظَنّهم]

 

بعد الإتفاق راحوا كلهم لأبوهم يستأذنوه , طلبوا منه يسمح لسيدنا يوسف إنه يروح معاهم ويسمحلهم ياخدوه

 

من الواضح من طريقة كلامهم إن الطلب ده مش أول مرة يطلبوه , فـ كانوا عارفين الرد ومُتوقعين الرفض

 

وبالتالي إبتدوا يعاتبوه , إبتدوا كمان يقنعوه ويستلطفوه {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}.. [آية 11 : سورة يوسف]

 

حاولوا يفهّموه إن ده لمصلحة سيدنا يوسف نفسه, من باب إبعاد الملل عنه وفتح مجال للعب وأكل الفواكه والترويح عن نفسه في حماية إخوته وعِزوته إللي مُؤكد هيحموه ويحفظوه ..{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.. [آية 12 : سورة يوسف]

 

كان رد سيدنا يعقوب عليهم إن رفضه مش لـ عيب فيهم , إنما سببه الحُزن إللي هيصيب قلبه بمجرد غياب يوسف عنه , فمابالك لما يزيد على الحُزن خوف من أي أذى يحصل له أثناء غفلتهم عنه .. {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ} .. [آية 13 : سورة يوسف]

 

لكنهم أصرّوا وإتحايلوا واستمروا في النقاش والإقناع , كان ردهم بمُنتهى الثِقة إن لو ماكانوش هيقدروا يحموا أخوهم من الذئب لدرجة إنه ياخده من وسطهم ويئذيه بدون عِلمهُم , فمن باب أولى هيكون عجزهم أكبر عن إبعاد الذئب عن أغنامهم إللي هي مصدر رزقهم , ده معناه إنهم وصلوا لأقصى درجات العجز وإنتفت عنهم صِفات النفع فأصبحوا عاجزين هالكين خاسرين لا قُدرة لهم على الإنتصار أو الإصلاح في أي شيء ولأي أحد حتى لأنفسهم..{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ} .. [آية 14 : سورة يوسف]

 

[وإعترافهم بـ ده كله طبعاً يؤكد لأي حد إنهم هيكونوا في مُنتهى الحِرص على عدم تحققه , لإن الإنسان في العادة بيبعد عن الأفعال إللي بتسبب له الوصف بالضعف والخُسران]

 

بعد الضغط والإلحاح , وافق سيدنا يعقوب فكانت مُوافقته مُقدّرة كخطوة في تحقيق المشيئة الإلاهية عشان تبتدي مسيرة "أحسن القصص"

 

_

 

إبتدا تنفيذ الخطة وإبتدا إخوة سيدنا يوسف يعاملوه أسوء مُعاملة بمجرد ماغابوا عن عيون أبوهم إللي كان بيراقب من بعيد بـ مُنتهى اللهفة..

 

استمروا في الإبتعاد قدر الإمكان لحد ما وصلوا للمكان .. والمكان المطلوب كان أحد الآبار في طُرق الأسفار .. أخدوا قميص سيدنا يوسف ورموه وهو لِسه طفل ضعيف لا يقدر يقاوم ولا ينقذ نفسه .. سابوه في البئر بلا أدنى إهتمام , لا أكل ولا شُرب وفي عز الصحرا بالأيام..{ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}..[آية 15 : سورة يوسف]

 

الخوف في قلب سيدنا يوسف كان وصل لأقصى درجاته , لولا إن ربنا طمّنه وبشرّه فـ أوحى ليه بإنه بعد سنين وسنين هيقابل إخواته ويواجههم بعملتهم دي! يوميها هُمّ مش هيعرفوه , مش هيبقوا حاسين ولا مُدركين إن إللي قُدامهم ده أخوهم إللي خِلصوا منه من سنين..{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَٰذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} .. [آية 15 : سورة يوسف]

 

في طريقهم للرجوع أخدوا حيوان ما و ذبحوه عشان يستعملوا دمّه في تلطيخ قميص سيدنا يوسف بالدماء..

 

عدّى اليوم خِلص النهار إبتدت الشمس في النزول والليل إبتدا في الدخول.. وصلوا لبيت سيدنا يعقوب .. دخلوا عليه وفي إيديهم قميص مليان بالدم وعيون مليانة دموع مُصطنعة , إبتدوا يحكوله ويعتذروله إنهم سابوا أخوهم يوسف عند ملابسهم وشنطهم وحاجتهم عشان ياخد باله منها في الوقت إللي هُمّ راحوا يتسابقوا فيه , وفي فترة غيابهم عنه حصل له أكتر حاجة كان ممكن يتخاف عليه منها , قتله الذئب , أكله وخلّص عليه لدرجة إنه ماسابش فيه أي جزء يرجعوا بيه أو يدفنوه.. {وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ ۖ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ}

 

[قد يكون السبق هنا جري بالأقدام , وقد يكون على الخيل , وقد يكون سباق في الرمي.. والغرض واحد في الجميع لإنه نوع من أنواع الترفيه مع التدريب لزيادة البنية الجُسمانية والمهارة الفنية والقوة البدنية]

 

حقدهم عماهم عن إحكام الكدبة , إستعجالهم خلّاهم يتعذّروا بنفس العُذر إللي أخدوه من لسان أبوهم .. الذئب هو المُذنب!

 

عدم تركيزهم خلّاهم يجيبوا القميص ويغرّقوه بالدم من غير مايقطّعوه! فأصبح القميص إللي مفروض إنه طالع من بين أنياب الذئب سليم تماماً بشكل يُخالف العقل والمنطق..

 

خوفهم من ضياع الفُرصة خلّاهم ينفّذوا الخُطة من أول مرة أبوهم يسمح لهم إنهم ياخدوا يوسف معاهم .. رغم إن المنطق إنهم لو عايزين يبعدوا التُهمة عن نفسهم كانوا عالأقل رجّعوه سليم المرة دي وبعدين طلبوه مرة تانية فلما يجراله حاجة في المرات التالية يبقى التُهمة بعيدة عنهم لإنهم سَبق وخدوه وكانوا بيحافظوا عليه ويرجّعوه ,لكن إستعجالهم إنهم يتخلّصوا من سيدنا يوسف ,وخوفهم من إحتمالية إن أبوهم مايسمحش ليه بالخروج معاهم تاني خلّوهم يضحّوا بالإتقان في سبيل سُرعة الإنتقام.

 

فـ بطبيعة الحال سيدنا يعقوب ماصدّقش إللي إتقال , صرّح لهم إنه مش مصدّقهم , أعلن قدامهم إن نفوسهم الأمارة بالسوء هي إللي حللت لهم الحرام وزيّنت لهم الخبيث فـ أقنعتهم إن إللي عملوه هو حل مشاكلهم وإنه هيعدّي على أبوهم فيصدّق وينسى ويصبر

 

إستعان بالله ولجأ للصبر الجميل , الصبر بلا شكوى ..حتى يُحدث الله في أمرهم أمرا ..{قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} .. [آية 18 : سورة يوسف]

 

[بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا .. كلمة " أَمْرًا "تحتمل كذا إحتمال ممكن يكونوا أذوه بيه , من قتل , أو بيع , أو تغريب .. فـ جاءت الكلمة نكرة للتهويل والتشنيع , وجاءت عامة لإن سيدنا يعقوب مش مُتأكد يقيناً من حقيقة فعلهم]

 

_

 

بعد فترة يعلمها الله مرّت قافلة ما , كانت مُتجّهة من الشام إلى مصر .. جايز يكون البئر في طريقها , وجايز تكون ضلّت طريقها وتاهت مخصوص كـ سبب يخليها تتجه في طريق البئر رحمة من ربنا بعبده..

 

القافلة إستقرت قريب من البئر فترة قصيرة عشان يرتاحوا ويكمّلوا المسير .. في الوقت ده أرسلوا شخص منهم يجيبلهم المياه من البئر ده .. بمجرد ما الوارِد نزّل الدلو عشان يملاه شاف سيدنا يوسف ولاقاه.. استبشر بيه وبشّر إللي معاه .. غلام صغير لاقوه ويقدروا يعتبروه عَبد فـ يبيعوه في سوق العبيد بمجرد وصولهم للبلد.. {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} ..[آية 19 : سورة يوسف]

 

[سَيَّارَةٌ.. مأخوذة من كَثرة السير.

 

وَارِدَهُمْ .. الوارِد هو الذي يرِد الماء ليسقي القوم .. يُطلق على الفرد والجماعة. والماء يُسمى المَورود.

 

وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً.. يعني أخفاه أفراد القافلة عن أعين الناس من سُكان المكان المُجاور للبئر خوف أن يأخذوه منهم أو يطلبوا ثمناً لبيعه لهم..

 

وقيل المعنى : أخفى الوارِد خبر الغُلام عن باقي أفراد القافلة , فقال لهم أنه اشتراه من سُكّان المكان المُجاور للبئر.

 

وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ .. يعني أن الله عالم بكل مافعله إخوة سيدنا يوسف وبما فعله السيّارة من أسرِه واسترقاقه بغير حق , وهو - سُبحانه- قادر على تغيير ذلك وحمايته منهم , لكنها خطوات كُتبت عليه لتحقيق الحِكمة الأكبر والهدف الأسمى في نهاية القصة..]

 

أخذوه معاهم وكمّلوا سفرهم وبمجرد وصولهم لسوق العبيد عرضوه وباعوه فـ إشتراه راجل - شكله مهم- بمبلغ زهيد.. {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} .. [آية 20 : سورة يوسف]

 

[غالباً إللي بيلاقي شيء ضايع ويلتقطه مابيهتمّش يكسب فيه كتير لإنه حصل عليه بمنتهى السهولة وبدون أدنى مجهود , بالإضافة إلى إنه بيكون كل همّه يتخلّص منه وياخد ثمنه قبل ما يظهرله صاحب يطالبه بيه فيخسر إللي كان ممكن يكسبه فيه.. وأغلب الظن إن هو ده السبب في إنهم باعوه بثمن رخيص خصوصاً إنهم مش عارفين قِيمته]

 

_

 

الراجل الي اشترى سيدنا يوسف كان شكله مهم , أغلب الظن إنه وزير من وزراء مصر , سمآه القرآن "العزيز" ويُقال إن أهل مصر زمان كانوا بيطلقوا الصفات على الوزراء حسب مكانتهم , فـ تلاقي العزيز والعادل والقوي وغيره

 

وأرجح الآراء إن العزيز دا كان أشبه برئيس الوزراء

 

ربنا زرع محبة سيدنا يوسف في قلب العزيز فـ ما اعتَبَروش عبد , بالعكس دا وصّى زوجته تهتم بأمره وتجعل إقامته عندهم كريمة بعيدة عن العبودية وتوابعها .. لعله فيما بعد يكون سند ليهم وينفعهم أو يتبنّوه ويعتبروه ابنهم ربّوه .. {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}..[آية 21 : سورة يوسف]

 

فـ زي ما ربنا سَبق ونجّاه من مَكر إخوته وطمع السيّارة , تمّت إرادة الله وقُضي أمره بتمكين سيدنا يوسف من مكانة كريمة ومحفوظة في بيت رفيع يقدر يتعلم فيه أمور مُهمة ويكبر في جو هادئ يساعده على إستقرار نفسيته وصفاء ذِهنه والإستعداد لتقبّل كل ما يتلقّاه من الله جلّ في عُلاه ..{وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ(21)وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }

 

_

 

سيدنا يوسف كان من أجمل الناس إللي مرّوا على البشرية منذ بداية الخليقة.. فـ بطبيعة الحال كان أجمل الناس في زمانه على الإطلاق .. [سيدنا النبي قال عنه " أُوتي شطر الحُسن". رواه مُسلم.]

 

وفوق كدا كان صفاء قلبه ونقاؤه الداخلي بيزيد وشه نور وجمال

 

ده غير جمال صِفاته من حِكمة وعقل , نُبل وعِفة ومنطقية في التفكير والكلام , مُقنع في الحوار وكمان حُسن البيان, فـ جماله الداخلي زاده جمال على جمال وأصبح شخصية إنسانية مُتكاملة لا تُقاوم , أي حد يشوفها لازم يُعجب بيها ويثق فيها أو يقتدي بيها

 

العزيز مع عِشرة سيدنا يوسف أدرك إنه شخص شهم وأمين يُعتمد عليه , فـ علّى شأنه وخلاه مسؤول عن بيته وأكرمه وعامله زي ابنه

 

_

 

إبتدا الإبتلاء التاني من حياة سيدنا يوسف , المرادي الابتلاء كان أصعب وأشد

 

زوجة العزيز إللي أكرمه وربّاه وعاش في بيته كل السنين دي , أُعجِبت بسيدنا يوسف , حَبّته وأُغرِمت بيه, جمال شكله وتمام شَخصه وكمال إنسانيته خلّوها تحاول تفتنه وتبقى عايزاه يعصي ربنا ويخون العزيز إللي كانت هي على إستعداد تام إنها تخونه في مُقابل إنها توصل لسيدنا يوسف

 

يُروى إنها إبتدّت في الأول بالتلميح الجريء مرة وإتنين ومرات كتير .. لكن تجاهل سيدنا يوسف لتلميحاتها خلاها تتعدّى التلميح للتصريح..

 

رتّبت الموضوع .. إستدعته وأمرت الخدم كلهم بالإنصراف , قفّلت عليهم بدل الباب أبواب .. الوضع بقى مُهيئ جداً ومُغري للمعصية جداً, هُمّا الاتنين لوحدهم وإستحالة حد يشوفهم

 

صارحته بـ حُبها .. حاولت تغريه بـ قُربها .. حاولت تطمّنه بخلو المكان وتمام الأمان وإنعدام سُبل العقاب من أي إنسان

 

لكن هو ماكَنش الناس هُمّ هَمُّه .. كان رب الناس أهم عنده .. كان دين والده إللي إتربى عليه مغروس في قلبه وقُدام عينيه ..

 

كانت أمانته تمنعه يخون الراجل إللي حماه ونجّاه من العبودية رغم إنه إشتراه إلا إنه رفع مكانته وأحسن إليه وأمر الناس كمان بالإحسان إليه..

 

هو ده كان رده عليها .. صرّح لها بإنه لو إستجاب ليها هيكون ظالم لنفسه بعصيان ربه وبخيانة العزيز في أهله إللي كان سبب في إنقاذه وتغيير حياته

 

{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} .. [آية 23 : سورة يوسف]

 

فـ زادت في الإغراء وقرّبت منه وحاولت تنفذ إللي هي عايزاه , أو حتى تمكّنه هو من التنفيذ , لعله يلاقي الأمر أصبح أمر واقع فينفّذ المعصية من غير مايفكر في عواقبها ..{وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} .. [آية 24 : سورة يوسف]

 

الهَمّ يعني العزم على فِعل الشيء .. إتفق المُفسرون على إنها همّت بالمعصية, وإختلفوا على ما هـمّ به هو؟

 

• قيل إنه همّ بيها يعني حاول يضربها أو يبعدها

 

• وقيل إنه همّ بالمعصية بس ماعملهاش , همّ بالمعصية "يعني مجرد نية" لأنه راجل مُكتمِل الرجولة وزيه زي أي راجل بتتحرك مشاعره لإغراء صعب زي ده , لكنه قاوم نفسه لأنه حط ربنا قدام عينه وأدرك حجم المعصية وتأكد إنه بكده هيكون عمل ذنب كبير يتسببله في غضب ربنا عليه

 

• والتفسير المشهور إن فيه في الآية تقديم وتأخير .. بمعنى : لولا إنه عرف وأيقن ساعتها إن ده إبتلاء من ربنا كان ممكن يهمّ بالمعصية .. وفي الحالة دي هيكون المقصود بـ(لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) يعني أدرك إنه في إبتلاء أو رأى العلامات والآيات التي تُقوّي عزيمته على عدم المعصية إبتغاء مرضاة الله.

 

[-ولو فكرنا فيها هنلاقي ان أحد التفسيرين الآخرانيين هو الأكثر منطقية , لأن ربنا بيقول لإبليس (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) .. وإبليس نفسه معترف (إلا عبادك منهم المخلَصين)

 

وسيدنا يوسف كان مِن عِباد الله المُخلَصين! .. (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) .. [آية 24 : سورة يوسف]

 

بمعنى إن الشيطان أصلا مايقدرش يغوي سيدنا يوسف ويقنعه بالمعصية .. بس مش معنى كدا ان سيدنا يوسف معندوش مشاعر رجولة فِطرية ونفس أمارة بالسوء بشرية ممكن تميل لإغراء زي دا

 

بالعكس ..دا إتعرّض لإغراء طويل بتلميحات وتصريحات من واحدة ذات منصب وجمال أي شاب غيره يتمنى رِضاها وقُربها .. لكنه قاوم كل ده وكان كل شوية يغلب نفسه الأمارة بالسوء ويوثّق اليقين جوا قلبه ويصبّر نفسه بإن رِضا ربنا أولى وأهم.

 

- تحرّك الفِطرة البشرية لشيء زي ده بحد ذاته أمر طبيعي ولا يؤاخذ المرء به , زي لما تكون صايم وتشوف الميّة فتشتهيها ويبقى نفسك تشرب , ده شيء طبيعي ولا يقدح في الصيام , المُهم هو مُقاومة النفس وعدم الفعل.

 

- سيدنا يوسف لما وصل بيت العزيز كان عُمره حوالي 12 سنة "وقيل 17" , أغلب الظن إن في الوقت ده كانت زوجة العزيز في العشرينات من عُمرها

 

فـ لما سيدنا يوسف كِبر وإبتدت تِبان شخصيته وإبتدا يكتمل جماله ووسامته بقت هي في التلاتينات وهو في العشرينات , فـ أصبح هو في عِز شبابه وهي في عِز نُضجها .. طبعاً الأرقام دي تقديرية , الله أعلم بالصواب لكن الغرض تقريب الفكرة مش أكتر]

 

وفي مُحاولة من سيدنا يوسف لإنهاء الموقف , إبتدا يجري بإتجاه الباب عشان يهرب بدينه من إغرائها ..في الوقت ده هي كمان إبتدت تجري ناحية الباب عشان تمنعه من الخروج وتحاول معاه تاني

 

خطوته كانت أسرع من خطوتها فـ سَبقها .. شدّته من قميصه وحاولت تعطّله.. أصبح الموقف إنه هو بيجري لقدام وهي بتشده لورا

 

إتقطع القميص في إيديها وفي اللحظة دي تحديداً دخل العزيز عليها! ..

 

مكر النساء إبتدا وحُبها لنفسها إقتضى إنها تعكس الحقيقة تداركاً للموقف قبل مايحكي هو إللي حصل وتظهر برائته وتظهر خيانتها

 

فإبتدت فوراً تبعد التُهمة عنها وتتّهم بيها سيدنا يوسف

 

إبتدت تلمّح لجوزها إن سيدنا يوسف وَجب عليه العِقاب الرادع لإنه حاول ينتهك حرمة بيته ويتعدى على زوجته

 

وقبل ما العزيز يفكر أو يستوعب إقترحت هيّ فوراً العقوبة السريعة المأمونة إللي تبعد سيدنا يوسف عن القتل وفي نفس الوقت تربّيه وتخلّيه ماينطقش بكلمة من إللي حصل

 

حرّضت العزيز إنه يسجنه أو على الأقل يعني يعذبه عشان يبقى عِبرة لغيره

 

سيدنا يوسف حاول يدافع عن نفسه ويحكي إللي حَصل من مُحاولتها لإغواؤه .. { وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .. [آية 25 : سورة يوسف]

 

وإنتقالاً بالأحداث للحدث الأهم على الإطلاق , نلاقي القرآن إنتقل في السرد لتفاصيل مشهد البراءة

 

والتفصيل إن العزيز إحتكم لواحد من أهل البيت [ يُقال راجل حكيم كان من قرايب الزوجة]

 

أجرى الله على لسان الحكيم رأي سليم , إنه منطقياً لو كان قميص سيدنا يوسف إتقطع من قدام يبقى كلامها صحيح وكانت بتحاول تبعده عنها فقطعت القميص من كُتر المُقاومة

 

إنما لو كان إتقطع من الظهر يبقى كلامه هوّ إلي صح وكان بيهرب منها لكنها شدّته من ظهره فقطعتله القميص .. {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ} .. [سورة يوسف]

 

وبكده تظهر البراءة ويتحقق الحق بسبب أحد أقاربها هيّ , تأكيداً للحجّة عليها , وتوثيقاً لبراءة سيدنا يوسف وصِدقه, ونفاذاً لحِكمة ربنا ورحمته وعَدله..

 

رد فعل العزيز كان غاية في الهدوء .. عادات وقيَم الطبقة الراقية الي هو كان من ضمنها [ بما إنه كان وزير أو من كُبراء القوم في العموم] , أجبرته على الإلتزام بالسكوت عشان الموضوع يعدّي وماتبقاش فضيحة , فأخد الموضوع بـ لباقة لدرجة إن عِتابه ولومه ليها كان أشبه بالمدح في تعليق كل إللي حصل على كيد النساء العظيم..{فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} .. [آية 28 : يوسف]

 

إلتفت ليوسف ووصّاه ينسى إللي حصل كأنه ماحصلش ويكتم الخبر ومايحكيش لحد ..{يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا}

 

وإكتفى بأمرها بالإستغفار عن إللي صار ..{وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} .. [آية 29 : سورة يوسف]

 

 

 

لكن كان الوضع أصعب من كدا بكتير , القصر مَليئ بالخدم والخادمات والمستشارين و الوَصِيفَات!

 

إبتدا الخبر ينتشر ويتناقله الخدم لحد ما وصل للقصور المُجاورة , فـ كان فضيحة مُسلّية لنِساء الطَبقة الرَاقِية.

 

ابتدوا يتكلموا عن زوجة العزيز وعن حُبها ليه لدرجة إنها عَرَضِت نفسها عليه ! .. {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} .. [ آية 30 : سورة يوسف]

 

[- التعبير بالفعل المُضارع في كلمة " تُرَاوِدُ" يُشعِرنا أنها لازالت مُستمرة في مُحاولاتها ولم يمنعها من ذلك إفتضاح أمرها!

 

- التعبير عن سيدنا يوسف بوصفه " فَتَاهَا " لتعظيم خطأها هي والمُبالغة في لومها و وصفها بالسوء , حيث بَلغَ بها الحال في إحتقار نفسها وعدم السَيطرة على شهوتها أن تعرض نفسها على شخص هو بمثابة الخادم لها!

 

- جُملة " إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ " لإظهار اللوم والإنكار عليها , وتنزيه لأنفسهن أنهن يترفّعن عن مثل هذا الضلال الذي وقعت فيه , وإبعاد لشُبهة أن هجومهن نابع من حسدها على فتاها]

 

الكلام عنها زاد و اِنتَشَر لحد ما وصل ليها وسِمعت بنفسها إللي بيتقال عليها.

 

قررت تتجاوز القيل والقال و ترد عليهم بالأفعال

 

أمرت بـ إعداد مائدة فخمة , جَهِّزِتْ المكان وحَضّرِتْ القعدة و إتأكِدِتْ إن جنب كل مقعد فيه سكينة حادة ..{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا } .. [آية 31 : سورة يوسف]

 

عَزَمِت كل النِسوَة إللي اتكلموا عنها , دَبّرت و رَتِّبت إن سيدنا يوسف يدخل عليهم أثناء إنشغالهم بالأكل وتقطيع اللحم والأترج

 

 

 

[ الأترج ده نوع من أنواع الحِمضيات , شبه البرتقال وأكبر من الليمون , طعمه جميل وريحه جميل , وبيتقطّع بالسكين

 

 

 

سيدنا النبي استخدمه في تشبيه من أعظم التشبيهات , فقال "مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَـالأُتْرُجَّةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلا رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلا رِيحَ لَهَا" رواه البخاري.

 

- بما إننا مش عارفين امرأة العزيز عزمت النِسوة على إيه بالضبط يحتاج في أكله السكين , نلاقي روايات كتير منها إللي بيقول إن الأكل كان لحم ولذلك استخدموا السكاكين , ومنها إللي بيقول إن إستخدام السكين كان في تقطيع الفواكه اللي زي الأترج. فالله أعلم , مش هيفرق معانا نوع الأكل تحديداً , دي مجرد معلومات إثرائية لتقريب الصورة التَخَيُّلية في الأذهان]

 

 

 

دخل سيدنا يوسف فعلاً وكان رد فعلهم أول ما شافوه إنبهار تام من الجمال إللي ربنا ميّزه بيها

 

ومِن فَرط الدَهشة غَفلوا عن السكاكين إللي كانوا ماسكينها فـ جَرحوا أيديهم بيها وهُمّ فاكرين إنهم بيقطّعوا الأترج

 

تجاهلوا الجِراح دي تماماً لإنشغالهم بما هو أهم وأعظم

 

شِدة الجمال إللي بيتمتّع بيها سيدنا يوسف مَنعت عقولهم عن إستيعاب إنه بشر , فـ شبّهوه بالملايكة في شِدّة البهاء وحُسن الصورة .. { وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَٰذَا بَشَرًا إِنْ هَٰذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} .. [آية 31 : سورة يوسف]

 

عَذروها ولاموا أنفسهم إنهم لاموها

 

فـ لما حَسّت بالإنتصار والتشّفي , وضمنت إنعدام اللوم والهجوم , إبتدت تتكلم من غير أي خجل قدام نِساء زيّها من بنات جنسها , إن الملك الكريم اللي هُمَّ بيقولوا عليه ده هو نفس الشخص إللي لاموها على حُبها ليه وضعفها قدامه , إعترفت قدامهم إنها فعلاً رَآودته عن نفسه لكنه إمتنع

 

وأعلَنت قدامه وفي وجودهم إنها مُصممة تكرر المحاولة لحد مايستجيب , تصريحاً بفَرط حُبها له , وإظهاراً لعَظَمَتِها وأنه لا يُعصى لها أمر.

 

وزادت على الإعلان تهديد , إن كان من الرافضين المُمتنعين لتَسجِنَنّهُ فيكون مِن المذلولين! .. { قَالَتْ فَذَٰلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ} .. [آية 32 : سورة يوسف]

 

 

 

تحوّل حال النِسوة مِن لَوم امرأة العزيز إلى لَوم سيدنا يوسف!

 

لاموه على معصية أمرها ونَصحوه بالإستجابة لها وخَوّفوه من تنفيذ تهديدها.

 

ويُروى إنهم إتحججّوا بـ نُصحه وإنفردوا بيه ,وإبتدت كل واحدة تحاول تغريه , إنها أحسن من امرأة العزيز وأولى بالإستجابة منها!

 

فـ بدل الواحدة لاقى نفسه مُحاصر بـ نِساء كتير , كلهم بيعلّوا صوت الباطل في نَفسه ومافيش حد جنبه يستنجد بيه..

 

لكن ما ضَاع ولا غَوى مَنْ بالإله إحتمى

 

سيدنا يوسف لجأ لربنا اللي هو في الأساس بيتعففّ إرضاءًا ليه وطاعةً لأوامره وإلتزاماً بما يُرضيه.

 

لإن في عِزّ كُل الإغراءات دي كان تمسّك سيدنا يوسف بالعِفة كل شوية بيبقى أصعب , كل شوية الإغراءات بتبقى أكتر والخلاص بيبقى أبعد

 

هُنّ نِساء من نِسوة الطبقة الراقية , فعندهم من المال والجمال القدر الكافي لإغراء أي حد في مكانه

 

وهو رجل مُكتمل الرجولة , فـ طَبيعته البشرية ممكن تغلبه في أي لحظة ويستجيب بسبب كثرة الإلحاح وإستمرار المُحاولات وشِدة التهديدات بالسجن أو الإيذاء

 

هنا لجأ سيدنا يوسف لـ ربه فوراً من غير ما يغتّر بـ عِفّته وقُدرِته على الإعتصام من المعصية , من غير ما يجازف إنه يكمل لوحده وهيعرف يتحكم بنفسه ويستمر في رفضه , هو كان مُدرك تماماً طبيعة نَفسه البشرية وحقيقة إن مفيش حد معصوم من الخطأ

 

{ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ} .. [آية 33 : سورة يوسف]

 

 

 

[يُروى أن ربنا أوحى لسيدنا يوسف بعد دعوته دي أن " يا يوسف ! أنت حَبَستَ نَفسك حيث قُلتَ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ، ولو قُلتَ العافية أحَبُّ إليّ لَعُوفِيت "

 

- " وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ "يعني أي إن لم تَلطُف بي في إجتناب المَعصية , لـَ وَقعت فيها!]

 

 

 

إستجاب ربنا لـ عبده الصادق فـ حَماه منهن وأبعد عنه كيدهن ..

 

• إما بإدخال اليأس على قلوبهن فـ فقدن الأمل من إستجابته لهنّ.

 

• أو بتثبيت سيدنا يوسف أكتر وطمأنة قلبه أكتر وأكتر وإبعاد الشهوات عن نفسه فبقى قادر يستحمل لمدة أطول.

 

• أو بالسببين معاً

 

{ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} .. [آية 34 : سورة يوسف]

 

[وبكده ينتهي الإبتلاء والإختبار اللي يُصنّف إنه من أصعب وأقسى الإختبارات اللي ممكن يتعرّض لها أي رجل في الدنيا , لدرجة إن يكون جزاء مَن اجتازه في الآخرة "ظل الرحمن" , زي ما سيدنا النبي قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة الله ، ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ، ورجل دعته امرأة ذات جمال ومنصب ، فقال : إني أخاف الله ". صحيح البخاري ومسلم.]

 

_

 

إبتدا إبتلاء جديد من نوع مُختلف لما كُبراء الطبقة الراقية -وعلى رأسهم العزيز- ماقِدروش يستحملوا الفضايح إللي عمّالة تحصل بسبب سيدنا يوسف , فـ قرّروا إنهم لازم يبعدوه , بإنهم يسجنوه.. { ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} .. [ آية 35 : سورة يوسف]

 

[المقصود بـ(الآيَاتِ) هنا هي أدِلة براءة سيدنا يوسف , وأدِلة إدانة إمرأة العزيز

 

رغم إنهم شافوا الأدلة دي قبل كده فـ كانت سبب إنهم يقرروا عدم إدخاله السجن , لكنهم رغم كل الأدلة تغيّر رأيهم وقرروا حَبسه!

 

أغلب الظن إن امرأة العزيز كانت سبب في قرار الحبس ده , تنفيذاً لتهديدها السابق , وبالتالي فـ من الواضح إنها فعلاً كررت مُراوَدته فأستعصم فـ نفّذت التهديد.

 

وقد تكون خافت من النِسوة إنهم بعدا مايطلعوا من عندها يتكلموا باللي شافوه وسمعوه فتتفضح وينكشف أمرها بشهادة الشهود , وبالتالي قررت تسبق الأحداث وتسيطر على الأمور بحبس سيدنا يوسف فـ يُفهم في الأذهان إن سجنه هو دليل برائتها وإدَانته.]

 

 

 

دخل سيدنا يوسف السجن ظُلم وبدون مُحاكمة , بس كان داخل ثابت هادي و راضي , أقرب للفرح منه للجزع , يَكفيه فَرحاً إنه تَخلّص من فِتنة زوجة العزيز وإللي معاها وتجاوز الإبتلاء ده بسلام

 

السجن كان بالنسباله فُرصة مُناسبة للتفكّر والتَعَبُّد في مكان هادي خالي من الصِراعات والمشاكل

 

إستغل وجوده بين السُجناء في دعوتهم لدين الله بالعقل وإقناعهم بالمنطق وإستِمَالة قلوبهم بالاسلوب الليّن..

 

 

 

إبتدا السُجناء يرتاحوله ويَتَوَسّموا فيه الخير , شاع خبره بينهم وأصبحت سمعته مُنتشرة بكل خير

 

كان معاه في الحبس إتنين مساجين , واحد كان طبّاخ المَلِك والتاني سَاقِي المَلِك [ المسؤول عن الشُرب والسِقاية] , إتسجنوا هُمَّا الاتنين بتُهمة الاشتباه في خيانتهم للمَلِك

بعد ما عَاشروا سيدنا يوسف ولَمسوا حِكمته , قرروا إنه أنسب واحد يقدروا يثقوا فيه لتفسير الأحلام اللي شافوها في المنام

الساقِي شاف نَفسه في حلمه بيعصر عِنب ويحوّله لخمرة

والطبّاخ كان حلمه إنه شايل على راسه سَلّة فيها خُبز , بتنزل الطيور عليه وتاكل خُبزه قدام عينيه .. { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .. [آية 36 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف طمّنهم إنه هيقدر -بإذن الله- يفسرهولهم قبل حتى معاد الأكل , حدد لهم توقيت مُعين عشان يطمّنهم إن طلبهم هيتنفذ في وقت قريب , وبما إنهم في السجن مفيش عندهم إللي يدلّهم على الوقت , ربطلهم الوقت بمعاد الأكل اللي بيتم تقديمه في السجن سواء كان المقصود الغداء أو العشاء على حدٍ سواء.. { قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا} .. [آية 37 : سورة يوسف]

[- تُرْزَقَانِهِ دليل إن الطعام اللي هيجي ده رزق مُؤكد الحدوث في وقت معلوم , مش هدية مُحتمل تيجي قريباً ومُحتمل تتأخر في المجيئ.

- قيل إن جُملة " لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا " المقصود بيها أنهما مهما رأيا في نومهما من حلم ، فإنه عارف بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه, فيكون المعنى ( لا يأتيكما طعام ترزقانه [في نومكما] إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ).]

الظاهر إن زمن مجيئ الطعام ماكَنش بعيد , وده إللي بتوحي بيه جُملة " قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا " , دلالة على إنه مش هيتأخر في التفسير وهيقولهم المعنى على طول, وده بحد ذاته كان شيء غريب يدعو للإستعجاب من قوة عِلمه في تعبير الأحلام , والإستفهام عن مصدر هذا العِلم من أين كان؟!

قبل ما يستغربوا أو يستعجبوا كان سيدنا يوسف بيكمّل كلامه وبيرد على السؤال قبل مايتقال .. {ذَٰلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي}

بعد ما أنسَب العِلم والفضل لله , فصّل أكتر عن سبب إختصاصه بالعِلم ده .. {إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}

[- تعبير " مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي" يدل على إن عِلم تفسير الأحلام ده جزء من علوم كتير ربنا أنعم عليه بيها.

- سيدنا يوسف لما إتكلم عن كُفر القوم بالله وباليوم الآخر إتكلم في العموم من غير ما يوجّه كلام للمُستمعين إنهم من الكافرين الخاطئين المقصودين , وده أسلوب الدعوة الصحيح لدين الله , التعميم بدون توجيه لوم للمُخاطب أو إنتقاص من قَدره , فـ تزيد فُرصة إستمالة قَلبه وإقبال عَقلِه]

إستكمالاً للكلام وإنتقالاً به من التلميح إلى التصريح , إبتدا يوجّه لهم أسئلة صريحة ومُباشرة وفي مُنتهى المَنطقية .. { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .. [آية 39 : سورة يوسف]

خاطب صوت المنطق في عقولهم , هل كَون الإله المُتحَكِّم في مجرى الأمور إله واحد أفضل وأقرب لإستقرار الأمور وصلاحها , أم آلهة مُتعددة مُتفرِقة مُختلفة الإرادة مما يؤدي إلى تنازعها في الأمر لـ إستعلاء بعضها على بعض؟

السؤال كان تمهيد لإقناعهم بعدم مَنطقية تَعدد الآلهة ولابد للكون من إله واحد يُدير شؤونه لتستقر وتنجح المنظومة الكَونية بأكملها

فكان من المُناسب بعد التمهيد ده إنه يواجههم بحقيقة و"أصل" الآلهة العاجزة إللي أنشأها أجدادهم وسمّوها بأسماء إخترعوها ثم عَبدوها! .. { مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .. [آية 40 : سورة يوسف]

إكتفى بهذا القدر من الدَعوة وسابهم لعقلهم يفكروا ويقرروا وإبتدا في تنفيذ الوعد بتفسير الرؤيا

الحكاية إن الإتنين دول دَخلوا السِجن بتُهمِة الخيانة زي ما قولنا , كانت التُهمة إنهم حاولوا تسميم المَلِك بإعتبار إن الأول هو المسؤول عن طعامه والثاني هو المسؤول عن شَرَابه , وكان هيتحكم في أمرهم فينجو أحدهم ويُعدَم الآخر

وبناءًا على رؤياهم , كان التفسير إن السَاقي هيطلع براءة ويرجع لمكانته ووظيفته في سِقاية المَلِك

والطبّاخ هيتحاكم ويتنفّذ فيه الحَكم فيموت مصلوب ويُصبح جسده وليمة للطيور الجائعة .. { يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} .. [آية 41 : سورة يوسف]

ولإن التفسير التاني كان قاسي جداً على صاحبه , سيدنا يوسف حاول يخَفف من أثره عن طريق إنه يقول التفسيرين مع بعض في جُملة واحدة وبالتعميم بدون تحديد " أَمَّا أَحَدُكُمَا "

ومِن بعدها هيكون سهل جداً كل واحد يفهم تفسير حِلمه بشكل غير مُباشر , أهون من التصريح وتوجيه الكلام بـ( يا فُلان إنت مصيرك الوفاة , ويا فُلان هيكون مصيرك النجاة).

" قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ " إنتهت المسألة اللي كانوا طالبينها منه , بمعنى إن التفسير ده مُؤكد الحدوث صحيح المعنى.

سيدنا يوسف بعد التفسير إنفَرد بالسَاقي و وصّاه إنه بعد خروجه وعَودته لمِهنِته في قصر المَلِك , يجيب سيرته أمام المَلِك ويحكيله عن قِصته ومَظلوميته لعلّ المَلِك يأمر بإعادة النَظر في قَضيّته فـ يَتبيّن برائته ويُصدِر أمر بالعفو عنه

لكن السَاقي لمّا رِجع للقصر إتلهى في حياة القصر ومشاغل الدنيا ونِسي السجن وإللي فيه

فـ إستمر سجن سيدنا يوسف سنين .. (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) ..[آية 42 : يوسف]

وكأنه دَرس لسيدنا يوسف ولينا من بعده , درس عملي واقعي في إن اللجوء لغير الله مش هيفيد بشيء , ربنا وَحده إللي كان مع سيدنا يوسف في مِحنِة البئر , ونجّاه منه

هو وحده إللي كان بيسانده في مِحنة النِساء , ونجّاه منهن

وهو سُبحانه وحده القادر ينجّيه من كرب السجن إذا دعاه وتَوكّل عليه وحده.

يُروى أن جبريل نزل على سيدنا يوسف في السجن وقاله : يا يوسف ! من خلصك من القتل من أيدي إخوتك ؟ ! قال : الله تعالى ، قال : فمن أخرجك من الجب ؟ قال : الله تعالى قال : فمن عصمك من الفاحشة ؟ قال : الله تعالى ، قال : فمن صرف عنك كيد النساء ؟ قال : الله تعالى ، قال : فكيف وثقت بمخلوق وتركت ربك فلم تسأله ؟!

وفي رواية أنه قال : يا طاهر ابن الطاهرين ! يقرئك السلام رب العالمين ويقول : أما استحيت إذ استغثت بالآدميين ؟ ! وعزتي ! لألبثنك في السجن بضع سنين ; فقال : يا جبريل ! أهو عني راض ؟ قال : نعم ! قال : لا أبالي الساعة

جدير بالذِكر , إن مِن بَعد التأمُّل والفِكر , هنلاقي نِسيان الساقي لتنفيذ طلب سيدنا يوسف كان بحد ذاته كرم ونِعمة من ربنا على نَبيه الكريم , إنه لم يجعل لأحد من العالمين يد في نَجاته أو فضل عليه , عَصَمه من الإحتياج للناس ليتفرّد بالإحتياج لله وحده.

_

السرد القرآني العظيم بيتجاوز سنين السجن بتفاصيلها وبينتقل مُباشرةً لمشهد الحِلم , حِلم المَلِك أو بالأصح "رُؤياه" إللي ربنا جعلها سبب في إنكشاف الكرب عن سيدنا يوسف.

والرُؤيا المقصودة كانت عبارة عن 7 بقرات سِمان , مملوئين بالشحم واللحم وفي قِمة صِحتهم , المَلِك بيشوفهم وهُمَّ بيتم أكلهم , مين إللي بياكلهم ؟ مش بشر لا ده نوع آخر من البقر

7 بقرات زَيّهم بياكلوهم , لكن صِفة البقر الجديد ده إنه عكس الأول , هزيل جداً ومافيهوش لا صِحة ولا شحم ولا لحم

وبرغم إن البقر الهزيل هو إللي أكل البقر السمين إلا إنهم إستمروا على وضعهم لا ردّت فيه الصِحة ولا زاد وزنهم!

و زيّهم 7 سنابل خضراء نَضِرَة مُثمِرة , بيشوفهم المَلِك وهُمّ بيُغلَبوا من 7 سنابل يابسة وناشفة.. (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ) .. [آية 43 : سورة يوسف]

تكرار الإهتمام بالأحلام والبحث عن تفسيرها خلال القصة من أولها , وسؤال المَلِك للملأ عن تعبيرها بيحسسنا قد إيه كان تعبير الرؤى عِلم مُهم في زمنهم , ولذلك لما يجي سيدنا يوسف يتفوّق ويَنفرِد بتفسير رؤيا زي دي في زمن كَثُر فيه البارعون في تأويل الرؤى , ده بحد ذاته أشبه بالمُعجزة اللي ترفع شأن سيدنا يوسف وتعلّي قَدره بينهم.

رد الكُهّان والأشراف كان بالإعتذار عن معرفة التأويل , بإعتبار إن الحلم ده خليط من الأوهام والمنامات الباطلة , فليس له عندهم من تفسير .. {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ ۖ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ} .. [آية 44 : سورة يوسف]

[ - أَضْغَاثُ جمع ضغث , والضغث هو الحِزمة المُكوّنة من النباتات وأعواد الأشجار , بمعنى إنها خليط من الأشياء الغير مُتجانسة , ولذلك تم التعبير عن الأحلام التي منها الصحيحة ومنها الباطلة بـ(الأضغاث).

- "وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ" نفوا عن أنفسهم عِلم ما ليس له تأويل , وليس المقصود نفي عِلمهم بالتأويل بشكل عام.]

وسط الحضور كان سَاقي المَلِك موجود ومُستمع لكل اللي بيدور

الأحداث دي كلها كانت كَفيلة تفكّر السَاقي بالرؤيا إللي شافها هو والطبّاخ من سنين وإللي تحققت زي ما سيدنا يوسف فسّرها بالضبط

التجربة دي شجّعته يقطع أصوات العجز إللي في الأجواء ويقول لهم كلهم إن الحل عنده والتأويل في إيديه .. {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ} .. [آية 45 : سورة يوسف]

[-وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ يعني تذكّر السَاقي ما حدث له مع سيدنا يوسف من تفسيره لرؤياه ومن ثم تَوصِيّتِه إياه بعد مُدة طويلة من الزمن.

الأُمَّة أصلاً هي الجيل من الناس , زي ما ربنا قال {كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس } [ سورة آل عمران : 110 ]

فمن هنا كان أصل إطلاق الأُمّة على الفترة الطويلة بإعتبار إنها زمن طويل لدرجة أن ينقرض فيه جيل من الناس!

طبعاً المُدة المقصودة في القصة مش طويلة للدرجة دي , لكنها مُجرد صِيغة مُبالغة للتعبير عن طول المُدة. وقيل إن المُدة كانت سنتين بعد خروج الساقي من السِجن

- نِسَبة الحل لنفسه رغم إنه مجرد سَاقي في بلاط المَلِك فمن الغريب إنه يعرف تفسير رؤيا عَجز عنها عُلماء المَلِك ومُستشاريه , ده بحد ذاته أثار إستعجاب الجميع , لكنه كان أسلوب مناسب يستفز فضول المَلِك فيسمح له إنه ينصرف من مَجلسه ويروح للمكان إللي فيه الحل ده لعلّه يرجع بيه.

- كلمة "فَأَرْسِلُونِ" دليل على أن التفسير الصحيح الصادق ليس من عِند السَاقي نفسه , ومع ذلك هو تعمّد يُخفي اسم سيدنا يوسف وتفاصيله عنهم إلى حين إخبارهم بتأويل الرؤيا , لأنه أراد أن يُفاجِئَهُم بـ خَبَرِه بعد حصول تأويله للرؤيا، فيكون ذلك أوقع في قلوبهم، وأسمى لشأن سيدنا يوسف , إذ ليس من الطبيعي وجود مثل هذا المُفسِّر صاحب العِلم العظيم بين المساجين!.]

راح السَاقي لسيدنا يوسف في السجن , ناداه بـ صِفته اللي بيتميّز بيها وهي إنه كثير الصِدق , حكاله رُؤيا المَلِك وطلب منه تفسيرها لعلّها تكون دليل برائته.. { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} .. [آية 46 : سورة يوسف]

[لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ .. أي ليَعلَم المَلِك معنى رُؤياه , وليَعلَم أهل مَجلسه أن ما عَجزوا عن تأويله قد عَلِمَه مَن هُو أكثر مِنهم عِلما , ولَعلَموا جميعاً مكانة سيدنا يوسف وفَضله العظيم وعِلمه الغزير.

والجُملة دي كانت مُهمة لتوضيح سبب الفتوى وبيان أهميّتها للطالب والمطلوب , أي للسَاقي ومِن وَرائه المَلِك , ولسيدنا يوسف نفسه.]

سيدنا يوسف بدون أي لوم أو عِتاب للسَاقي على النِسيان و طول الغِياب , وبدون أدنى حِقد أو مشاعر سَلبية تجاه المَلِك والعالم الخارجي إللي كان سبب في دخوله السجن ظُلماً طول السنين دي , وبدون حتى ما يفكّر في أي مُقابل أو مُساومة أو إشتراط أن يُحكم له بالخروج والبراءة إذا ساعدهم ونفّذ لهم مُبتغاهم في تفسير رُؤياهم!..

بدأ فوراً بتفسير الرؤيا

وتفسيرها إن السبع بقرات السِمان هُنّ سنين ازدهار و رخاء يأتيهم المطر الغزير والأرض الخَصبة فينتج عنها السُنبُلات الخُضر , والسبع بقرات العِجاف هُن سنين قحط وجفاف لا مطر فيها ولا زرع فينتج عنها السُنبُلات اليابسات

سيدنا يوسف لم يكتفي بالتفسير إنما تطوّع بالوصايا وإقتراح الحلول

والحلول السليمة إللي تجنّبهم القحط والجفاف كانت إنهم يستغلوا السبع سنين الأولى في الإستعداد للسبع سنين التالية .. { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ} .. [سورة يوسف]

[نلاحظ الربط بين الرؤيا والتفسير , هنلاقي التفسير لم يُهمل أي تفصيلة كانت في الرؤيا وعبّر عن كل شيء بما يدل عليه :

فالبقرات لسنين الزراعة ، لأن البقرة تتخذ للإثمار.

وكَونهُنّ سِمَان رمز للخصب فيها

والعجَف رمز للقحط .

والسنبلات رمز للأقوات.

وخضار السُنبُلة رمز لطعام يُنتفع به.

والسُنبُلات اليابسات رمز لعدم وجود الطعام واللجوء لما تَمّ إدّخاره من الطعام في السنين السابقة , ولذلك فإن السُنبلات الخُضر يأكُلُهنّ اليابسات.

- تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا .. بمعنى متوالية مُتتابعة. والدأب : العادة والاستمرار عليها.

- فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ.. الوصية الأولى .. أي شيء يتم زراعته خلال هذه السنين السبع يُترك كما هو في سُنبلِه حتى يكون أبقى له وأبعد عن السوس و سُرعة الفساد.

- إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تَأْكُلُونَ .. إلا مقدار بسيط مسموح لكم بإخراجه من سُنبُلِه وهو ما تستعملونه في الأكل , وليَكُن مقدار قليل قدر المُتسطاع , لتنتفعوا بالباقي في سنين الجفاف.

لأنه زي ما في الحلم كان السبع العِجاف بيأكلوا السبع السِمان , إنتم كـ بشر هتأكلوا في السبع العِجاف ما تم حصاده في السبع السِمان.

- سَبْعٌ شِدَادٌ .. يعني سبع سنوات شديدة على الناس , وهي سنوات المجاعة.

- يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ .. يعني يأكل الناس في هذه السنين ما قُمتم بإدّخاره لهذه السنين.

- إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّا تُحْصِنُونَ .. يعني إلا شيئاً قليلاً منه يبقى مُدّخراً ؛ لتنتفعوا به في زراعتكم لأرضكم.]

لحد هنا يكون إنتهى حِلم المَلِك , لكن لم ينتهي كلام سيدنا يوسف

سيدنا يوسف ختم كلامه بـ بُشرى تخفف عنهم أثر الكلام السابق عن المجاعة وما ينتظرهم من صعوبة في العيش

هوّن عليهم بإن في نهاية ده كله ربنا هيعقب عُسرهم بـ يُسر فيأتي عليهم عام فيه يُغاث الناس فيزول كربهم وينتهي همّهم .. { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} .. [آية 49 : سورة يوسف]

[-وَفِيهِ يَعْصِرُونَ .. أي يتمكنون من عصر أي شيء يُمكِن عَصره لإخراج مافيه من الزيوت أو المياه , كالزيتون والعنب وغيرهما , وقيل إن العصر هنا شامل كل ماهو سائل فيدخل فيها حلب اللبن من الأبقار أيضاً.

وقيل أن يَعْصِرُونَ بمعنى يُمطَرون أي يأتيهم المطر غزيراً , وهو من قوله تعالى " وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً"

وقيل "يَعْصِرُونَ" أي ينجون ; وهو من العصرة ، وهي المنجاة.

وأياً كان التفسير الصحيح فهو دلالة على بدء الرخاء وإنتهاء الغُمّة وعودة الحال إلى ما كان عليه.]

الخبر عن العام الأخير لا يوجد ما يُقابله في رؤيا المَلك , أي أنه كان إضافة من سيدنا يوسف , بُشرى مِن عِلم الغيب الذي أطلَع الله عليه نَبيّه يوسف لإظهار فَضله وإيضاح مكانته من العِلم والنبوة.

بمجرد ما المَلِك سِمع التأويل , انبهر من أمر المسجون المجهول إللي عنده العِلم ده كله , إندهش من مُبادرة سيدنا يوسف بالتأويل وإقتراح الحلول بدون أي أجر أو مُقابل , بدون حتى ما يطلب إخراجه من سجنه في المُقابل!

تشوّق المَلِك لمعرفة السجين الحكيم فـ أمر بإحضار سيدنا يوسف من السجن فوراً , لكن رد فِعل سيدنا يوسف كان غير مُتوقع

أول ما جاله مرسال من المَلِك يبلّغه رَغبته في رُؤيته , رد عليه إنه مش هيطلع من السجن لحد ما المَلِك يسأل في قَضيّته ويستقصي حقيقته لحد ما يوصل لها ..{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} .. [آية 50 : سورة يوسف]

[- من حِكمة سيدنا يوسف إنه إختار إعادة البحث في قَضيته لإظهار برائته قبل خروجه من السجن حتى لا يكون عليه أي شُبهات في تدّخله لإظهار البراءة أو إنتزاعها بعد أن يُصبِح من المُكرّمين.

- في المرة السابقة سيدنا يوسف إستعان بالسَاقي على الخروج دون اللجوء لله وحده فكان مصيره المكوث في السجن سنين كمان , المرادي كان إستوعب الدرس تمام ,فإطمئن قلبه بوجود ربه جنبه , ومابقاش فارق معاه وجوده في السجن من عدمه , مش مهم يخرج إمتى المهم إنه لما يخرج يخرج بريئ ورافع راسه , من غير ماحد يتمنن عليه بالإعفاء عنه بدون إثبات برائته!

- مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ .. سيدنا يوسف تعمّد يكون السؤال عام بدون الإشارة لإمرأة العزيز , من باب الوفاء لحق زوجها الذي أكرمه , وإحتراساً من كَيدها , وتسهيلاً لكشف أمرها لأن باقي النِسوة كُنّ شاهدات على كيدها , وإكتفى بالسؤال عن تقطيع أيديهنّ دون الإشارة لكيدهن ستراً لهُنّ وتنزهاً منه -عليه السلام- عن ذِكرهنّ بما يسوء.

-التعميم في جُملة (إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) لإن الكيد كان صادراً من بعض النِسوة "وهي امرأة العزيز" , فقام -عليه السلام- بالتعميم للإبهام وعدم التعيين.]

ومع شِدة تشوّق المَلِك لحضور سيدنا يوسف بادر فوراً بتنفيذ طلبه

أمر بإحضار النِسوة ومعهم امرأة العزيز إللي جَمعتهم في بيتها يوم ما عملت لهم وليمة كانت سبب في تقطيع أيديهم

بمجرد توجيه السؤال ليهم شَهدوا جميعاً ببراءة سيدنا يوسف عن أي تُهمّة تم توجيها إليه

امرأة العزيز لما سمعت شهادتهم بنفي التُهمة عنه خافت يكمّلوا كلامهم بإثبات التُهمة عليها , فباردت هي بالإعتراف .. { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} .. [آية 51 : سورة يوسف]

[ السؤال المُباشر اللي المَلِك وجهه ليهم يُوحي بإنه استقصى وسأل عن تفاصيل إللي حصل قبل ما يستدعيهم , وده التصرف الصحيح والمنطقي في الحالات دي عشان يواجههم وهو مُلِم بالتفاصيل فيقلل نِسبة إخفاء الحقيقة قدر المُستطاع.

- مَا خَطْبُكُنَّ.. الخطب هو الأمر الهام العظيم الذي يجعل الناس يتحدّثون عنه كثيراً.

فكأنه قال " ما الأمر الهام الذي جعلكن في الماضي تُراودن يوسف عن نفسه؟ وهل وجدتن فيه ميلاً إلى الاستجابة لكنّ..؟

- حَاشَ لِلَّهِ.. أي مَعاذ الله .. مُبالغة في النفي والتنزيه.

- مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ .. نَفي السوء عنه يقتضي نفي مُراودته لهن , أو إستجابته لهن , وفي نفس الوقت نفي مُراودتهن له.

- حَصْحَصَ الْحَقُّ .. بمعنى ثبت الحق وظهر واستقر بشهادة النِسوة وإعترافها وإغلاق باب القيل والقال والشك وكَثرة السؤال.

- البراءة - في المُعتاد- إما أن تظهر عن طريق شهادة الشهود أو عن طريق إعتراف الخَصم , من نِعمة الله على سيدنا يوسف أن أعزّه ورفع قدره وأظهر برائته أمام المَلِك ومَجلسه واضحة لا تقبل الشك عن طريق الشهود والإعتراف في نفس الوقت.]

_

امرأة العزيز اعترفت اعتراف كامل مُعلَن وصريح بدون أي ضغوطات أو تخّويف , قيل إن من أسباب الإعتراف ده مُحاولة تحّسين صورتها في عين الشخص إللي أهان كبريائها بـ رفضه وعِفّته , كانت بتحاول تبيّن له إنها مش امرأة سيئة وخائنة , بتحاول تخليه يحترمها ويصحح فكرته عنها , {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} ..[آية 52 : سورة يوسف]

["ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ"

- قيل المقصود هوالعزيز , فيكون المعنى "أنني إعترفت ليَعلم زوجي بإعترافي هذا أن ماحدث بيني وبين يوسف هو مُجرد نِيّة لم تكتمل ولم ترقى لدرجة الخيانة الفِعلية!"

- وقيل المقصود هو سيدنا يوسف , فيكون المعنى "أنني إعترفت ليَعلم يوسف أنّي لم أخُنه في غيابه وأني إعترفت ببرائته رغم عدم وجوده وعدم قُدرته على الدفاع عن نفسه"

وختاماً للكلام ولخُلاصة التجارب اللي مرّت بها هي على مدار سنين .. ختمت كلامها بحقيقة "أَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ" , أي أن من أسباب إعترافها أنها تأكدت أن الله لا يُنجِح مكائد وحِيَل الخائنين , لا يُنفّذها , لا يُيّسر وصولها , لا يُسددّ خُطاها ولا يَرضاها.

- ورغم إعترافها ورجوعها للحق وتمسّكها بيه إلا أنها أقرّت وأعلَنت عدم برائتها من التُهمة بشكل كامل , لأنها سَبق ومالت لهواها فألصقت التُهمة بسيدنا يوسف ودبّرت إغوائه وحاولت إغرائه وهددّت بعقابه .. { وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .. [آية 53 : سورة يوسف]

الآيات دي وخصوصاُ الآية الاخيرة توحي بشكل واضح إنها اعتنقت دين سيدنا يوسف! ..

سجن سيدنا يوسف كان نقلة كبيرة في حياتها

احترمته وانبهرت بدينه وخوفه من ربه رغم كل الاغراءات والتهديدات

علّمها درس كبير و كان سبب إنها تؤمن بما آمن به لإن إيمانه ده هو إللي ميّزه عن غيره من إللي هي شافتهم , لمست فيه عِفّة وصبر وإطمئنان وهدوء وتسامح غريب رغم مروره بكل الابتلاءات دي

فكان سجن سيدنا يوسف هو خير ليه وليها معاه , وطريق وصلّه للمُلك وبداية تحقيق الحلم

- قيل إن جَملة "ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ" هي من كلام سيدنا يوسف وليس امرأة العزيز

فيكون المعنى : حدث هذا كله تدبيراً من الله ليَعلَم العزيز الذي آواني صغيراً وربّاني في بيته أني لم أخُنه في أهله في غيابه وأن الله لا يهدي مكائد الخائنين فكان مصيرها الانكشاف ولو بعد حين.

لكن بعد ما سيدنا يوسف قال كده خاف يكون في الكلام تزكّية زكّى بها نفسه على الله , وتزكية النَفس مكروهة زي ما كلنا عارفين , عشان كده كمّل كلامه بجُملة {وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

فيكون المعنى : ليس معنى قولي هذا أني لا أقوم بإرتكاب الذنوب , لا أدّعي براءة نفسي من الأمر بالسوء وارتكاب الذنوب , ولكنها رحمة الله أبعدتني عن هذا الذنب وَوفّقني الله لاجتنابه , أي أني لم أفعل ما اتُهِمتُ به لكني لستُ بمعصوم عن الخطأ بشكل عام.

والله أعلى وأعلم ..]

صدر الأمر الملكي ببراءة سيدنا يوسف وإطلاق سراحه وإحضاره للقصر المَلكي على أسرع وجه ليكون خالِصاً للمَلِك وخاصاً به في تسيير أُمورِه وكِتمان أسراره ومُشاركته بآرائه وتسيير أمور الحُكم في مَملَكَتِه .. {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} .. [آية 54 : سورة يوسف]

بعد وصول سيدنا يوسف للمَلِك وبمجرد ما قعد معاه فترة بسيطة المَلِك أدرَك إنه أمام شخص حكيم عالِم صادق وصابر وأمين , لا يسعى للمُلك ولا يهتم بالغِنا والفقر , فازداد حُب المَلِك ليه وتقديره لشخصيته

وده إللي خلّاه يبلّغه فوراً إنه منذ هذه اللحظة أصبح صاحب كلمة نافذة، ومنزلة رفيعة، تجعله مُؤتَمَن على كل شيء في هذه المملكة .. { فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} .. [آية 54 : سورة يوسف]

[ من اللطيف والمُعبّر إن المَلِك في بداية الأمر لما انبهر بعِلم سيدنا يوسف قال " ائْتُونِي بِهِ"

لكن لما لمس سُمُوّ نفسه وعِرف قصته واكتملت شخصيته أمامه وسمع شهادة الجميع له بكل الخير والصِدق والأمانة , قال " ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي "

ولما جاله وقعد قُدّامه واتكلم معاه وأدرك مدى رجاحة عقله و حُسن فِكره ومَنطِقه وبلاغته وحِكمته , قال " إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ"..]

رد سيدنا يوسف كان رد غير مُتَمَلّق وغير مهتم بالسُلطة , إنما اهتمامه كان بالمسؤولية , فـ وضّح للملك الحاجات إللي يقدر يشيل مسؤوليتها في الأزمة الجاية , وطلب منه إنه يوّكل أمرها ليه من غير زيادة أو نقصان علشان يبقى قد الأمانة .. {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} .. [آية 55 : سورة يوسف]

ماكنش الغرض هنا هو الطمع , بالعكس دا بيطلب بنفسه تَحَمُّل مسؤلية إطعام شعوب هتجوع لمدة 7 سنين , والشعب لو جاع قادر إنه يقتل الحُكام .. فالموضوع كان حقيقي تضيحة من سيدنا يوسف لإدراكه التام أن ليس هناك في البلد مِن أحد قادر على إدارة الأزمة بـ عدل وعِلم وإحسان كـ قُدرته -عليه السلام- بإذن ربه و وَحيِه.

وبـ كده يكون ربنا حوّل حاله من السجن والظلم والاهانة , لـ المُلك والعز والكرامة , بـ جَعلِه مَلِك على خزائن أرض مِصر يتنقّل فيها أينما شاء ويتصرّف فيها كيفما شاء إيذاناً بإنتهاء الابتلاء وإبتداء الجزاء الدنيوي بالعِزّ والرحمة والمكانة, وبُشرى بجزاء الآخرة الذي لا يُضاهيه جزاء.. {وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} .. [سورة يوسف]

_

7 سنين عدّت كانوا رخاء زي ما سيدنا يوسف فسّرهم , إبتدينا ندخل في الـ7 العجاف وإبتدا القرآن يوصف الحال

الملحوظ في المشهد المرادي هو إختفاء جميع مَن له الحُكم مِن مَلِك و مُستشارين و وُزراء , القرآن رسم لنا المشهد بالإقتصار على سيدنا يوسف فقط لا غير , كان كل الكلام عليه , كل الأمر بإيديه , زي مايكون إرتقى لحد ما بقت صلاحياته تشمل إدارة كل حاجة والتحكم فيها .. ومع ذلك فهو بنفسه إللي بيشرف على تصريف الطعام للمُحتاجين والمُشترين حِفاظاً عليه من الضياع وسوء الصرف

المجاعة طالت كل البُلدان إلا مصر اللي إحتمت منها وإكتَفت فيها بما تم إدّخاره بفضل الله ثم حُسن تدبير سيدنا يوسف

وفوق كده أصبحت مصر مَحط أنظار المُتَعسّرين ومصدر الأمل والغذاء للمناطق المُجاورة

بمعنى إنها مش بس إستطاعت مُقاومة المجاعة والتعايش معها , إنما كمان ساعدت غيرها على التعايش مع القحط والنجاة منه

وهو ده إللي خلّى إخوة سيدنا يوسف يسافروا من بلدهم لحد بلد العزيز يوسف مخصوص أملاً في النجاة والمعونة

ومن هنا يبان لنا إن المجاعة إللي كانت في رُؤية المَلِك ماكَانِتش بس على مصر , ده كان بلاء مُتسع يشمل كل البلدان إللي في المنطقة , وده منطقي طبعاً لإن إنقطاع المطر وسوء الأحوال الجوية لدرجة التَسَبُب في مجاعة طويلة مُدتها 7 سنين , ده كله إستحالة يكون مشكلة محلّية على بلد واحد

طبيعي إن انقطاع المَطر والأذى المُصاحب له يشمل المنطقة الجُغرافية المُحيطة كلها

وهنا نقدر نلاحظ قد ايه سيدنا يوسف أحسن إدارة مصر وكان أمين على مواردها وحكيم في التصرف فيها لدرجة إنها أصبحت البلد الوحيدة الي فيها غِذاء ورَخاء في وقت كله شِدّة وقَحط

 

لما دخل إخوة سيدنا يوسف عليه , هو عرفهم فوراً لأن شكلهم ماتغيّرش كتير عن يوم ما رموه وسابوه في البير , إنما هُمَّ كان من الصعب جداً يعرفوه لأنه كان يومها طفل صغير وشكله دلوقتي أكيد اتغير كتير, ثم إن مين إللي يجي في خياله إن الطفل إللي اترمى في البير من سنين يكون دلوقتي أشبه بالحاكم على أرض غَنية وهُمَّ قُدّامه محتاجين عَطفه وموافقته.. {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} .. [آية 58 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف أخفى نفسه عنهم وتعامل معاهم زي ما بيتعامل مع غيرهم , والتعامل الطبيعي إنه بيبع الطعام بسعر عادي من غير رفع سعره لمواكبة الغلاء المُبالغ فيه اللي التُجّار بيبعوا بيه إستغلالاً للأزمة

لكن بشرط واحد وهو إعطاء الطعام على عدد الأشخاص , وطبعاً إخوة سيدنا يوسف كان عددهم 10 فقط ومحتاجين أكتر من كده عشان أخوهم بنيامين وأبوهم سيدنا يعقوب [ سيدنا يعقوب منعهم من أخذ بنيامين معاهم وتمسّك بوجوده معاه حِرصاً عليه بعد ما خانوا الأمانة وضيّعوا سيدنا يوسف من سنين]

كانت دي فُرصة مُناسبة جداً لسيدنا يوسف إنه يُطالب بإحضار شقيقه بنيامين بدون ما حد يشك في أمره

لما سألهم عايزين أكتر من عددكم ليه حكوله إن ليهم أب شيخ كبير مش هيقدر يجي المسافة دي كلها , وليهم أخ أصغر منهم قاعد مع أبوه بسبب شِدّة حُبه ليه وخوفه عليه

فسيدنا يوسف اشترط عليهم يجيبوا أخوهم إللي بيقولوا عليه ده عشان يتأكد من صِدقهم فيؤمر بصرف المزيد من الطعام لهم .. وطمّنهم بإن إكرامهم وزيادة نصيبهم هو أمر مضمون بضمان وعد سيدنا يوسف نفسه وكَرمه .. {وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ ۚ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} .. [ آية 59 : سورة يوسف]

[وقيل إنه بالفعل أعطاهم الكمية إللي هُمَّ طالبينها عشان يشجّعم إنهم في الزيارة الجاية يجيبوا أخوهم معاهم فيزوّد الكِمية.

- " جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ" .. الجهاز هو ما يحتاج إليه المُسافر من زاد ومتاع , زي لما نقول جهاز العروسة فهو ما تحتاج إليه العروس في بيتها عند بداية زواجها.

- " ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ " .. تعبير دقيق ومُناسب للمُبالغة في عدم الكشف عن نفسه , وإظهار الجهل بهم بشكل كامل , لدرجة إنه مايعرفش عن أخوهم الغائب أي حاجة غير من كلامهم , وكلامهم كان إنه أخ غير شقيق , أخ من الأب فقط . فوصفه كما وُصِف له.

- " أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ " .. تشجيع ليهم إنهم يرجعوا بأخوهم في الزيارة الجاية , إيفاء الكيل هو إتمام الميزان بدون إنقاص , و" خَيْرُ الْمُنزِلِينَ" بمعنى أفضل المُستضيفين , أُكرِم ضيوفي وأُحسِن ضِيافاتَهُم. ]

الظاهر إنهم ذكروا له أو لمّحوا له إنهم هيرجعوله قريباً بإعتبار إن ما معهم من طعام لن يكفيهم إلا مُدة محدودة من الزمان

فكان ده وقت مناسب للشِدّة بعد اللين , بمعنى إن سيدنا يوسف في اللحظة دي إبتدا يأكدّ عليهم طلبه في إحضار أخوهم عن طريق الترهيب بعد الترغيب

فقال لهم بمنتهى الحزم إنهم لو رجعوا من غير أخوهم فهتكون المُعاملة مُختلفة , لا ليهم بضاعة ولا طعام بأي مِقدارٍ كان , ومن مصلحتهم مايقرّبوش حتى من البلاد , ما بالك لو دخلوها.. {فَإِن لَّمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلَا تَقْرَبُونِ} .. [آية 60 : سورة يوسف]

ولإنهم عارفين انه صعب جدا أبوهم يوافق ياخدوا معاهم بنيامين بعد الي عملوه في يوسف , فـ كان ردهم على سيدنا يوسف بـ عدم التأكيد , حسسوه إنهم هيحاولوا ويبذلوا قُصارى جهدهم في إقناع أبوهم , لكن إحتمال نجاحهم لازال غير مُؤكد {قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ} .. [آية 61 : سورة يوسف]

وكلمة نراود دي بتوضّح حجم المشقّة الي كانوا عارفين انهم هيمروا بيها عشان يقنعوا أبوهم

ومع ذلك ختموا كلامهم بجُملة تأكد إنهم هيتحايلوا على الموقف قدر الإمكان ويحققوله مَطلبه بأي شكلٍ كان .. { وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ}

في اللقطة الأخيرة من المشهد ده بنلاقي سيدنا يوسف أمر مُساعديه بإنهم يرجّعوا أغراض إخوته في حقائبهم قبل سفرهم

أغراضهم دي المقصود بيها النقود والجلود وما شابه من الأشياء الي كانوا جايبينها يقايضوا بيها للحصول على طعام

قيل إن سيدنا يوسف خاف مايكونش معاهم أي أغراض أُخرى يقايضوا بيها فيكون ده مانع يخليهم مايرجعوش تاني قُريّب , وبالتالي رجّعلهم اللي أخده منهم من باب الإحتياط تشجيعاً لهم على الرجوع

وقيل إنه حَب يضمن رجوعهم لما يلاقوا أغراضهم في حقائبهم فيرجعوا من باب الإحراج والتَوَرُّع عن أخذ الطعام بلا مُقابل

{ وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُوا إِلَىٰ أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .. [آية 62 : سورة يوسف]

_

راح الإخوة لبلدهم , دخلوا على أبوهم وطلبوا منه أخوهم , حسسوه بأهمية الوضع وضرورة الإستجابة

بلّغوه بإنهم لو راحوا من غيره هيتم منعهم من شراء الطعام وجايز يتمنعوا من دخول البلاد كمان, أكدّوله وطمّنوه إنهم هيحافظوا عليه ويرجّعوه { فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَىٰ أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .. [آية 63 :سورة يوسف]

كلامهم إستفز ألم الأب وقلّب عليه المواجع , هو يعني لما زمان ائتمنهم على يوسف كان إيه مصيره , فراق وضياع وحزن وألم مُستمر حتى الآن , صرّح بعدم ثِقته فيهم وأقرّ إن ثقته في الله وحده هو القادر على حفظ أولاده وهو الرحيم بيهم

{قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.. [ آية 64 : سورة يوسف]

كان واضح من الرد الأخير إن في إمكانية للإذن والسماح والموافقة , وبالتالي إكتفى الإخوة بالرد ده وماراجعوش أبوهم في الموضوع ولا ناقشوه في اللي قاله

بعد ما اطمّنوا على الأهم إبتدوا يروحوا لحقائبهم ويفرّغوها, فُوجئوا بثمن الطعام موجود معاه

اندهشوا وإلتفتوا لوالدهم يأكدّوله كلامهم عن كرم عزيز مصر اللي أكرمهم وقادر ينفّذ وعده ليهم

قالوله إنه فوق كرمه في الضيافة وإعطاء الطعام , ردّلهم ثمن الطعام كمان! .. { وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ}

هيطلبوا إيه أكتر من كده ؟ خلاص كده , مش عايزين من أبوهم أي ثمن إضافي للرحلة الجاية لأنهم لاقوا الثمن القديم لازال موجود.. {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي ۖ هَٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا}

يقدروا فوراً يرجعوا مصر وياخدوا أخوهم معاهم يشتروا طعام من جديد استزداة في الخير وإحتياطي لمواجهة القحط بـ ارتياح أكبر .. {وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا}

ويزيد على الكمية اللي جابوها قبل كده مِقدار جديد للفرد الجديد اللي هو بنيامين لإن عزيز مصر هيوزن لهم على عددهم , اللي زاد واحد بوجود أخوهم .. { وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ}

خصوصاً يعني إن الطعام اللي جابوه المرادي ماكَنش كافي لمُدة طويلة .. {ذَٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} .. [آية 65 :سورة يوسف]

كل دي كانت أسباب قوية منطقية بيضغطوا بيها على أبوهم عشان ينتزعوا منه الموافقة تحقيقاً للمصلحة العامة في الحصول على الطعام لمواجهة القحط

بعد الإلحاح والمناقشة , وقبل ماسيدنا يعقوب يصرّح بالموافقة , أخذ منهم عهد وخلاهم يحلفوا بالله إنهم يرجّعوله بنيامين مهما حصل , ومهما واجهوا من صعوبات في الطريق فلازم يستميتوا جميعاً في حمايته والرجوع بيه , إلا لو اتحاصروا وحاولوا بكل الطُرق إنهم ينقذوه ومع ذلك إتغلبوا كلهم , ده الإستثناء الوحيد من الوعد والحلفان اللي حلفوه على أنفسهم قبل ما ياخدوه ..{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ} ..[آية 66 : سورة يوسف]

فلما حلفوا وتعهّدوا أمام ربهم بكل العهود والمواثيق الممكنة , وافق سيدنا يعقوب ثِقةً في الله وحِكمته .. {فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ}

[ - تُؤْتُونِ ..استخدام لفظ الإيتاء والإعطاء عند الحِلف كان مشهور زمان لإن كان العادة لما حد يجي يحلف لحد على حاجة كان الحالف يُعطي المحلوف له أي شيء يخصه , خاتم , سوط , أي حاجة تخص الحالف تفضل مع الشخص اللي حِلف له كضمان لحد ماينفّذ حِلفانه وساعتها يستردها

فلما العادة دي إنتهت استمر استخدام لفظ "آتني ميثاق على حلفك" أو "أُعطيك ميثاق على حلفي" من باب الإطمئنان لصِدق الحالف.

- مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ .. بمعنى أنهم جعلوا الله سبحانه وتعالى شاهد على هذا الوعد.

- إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْ .. الإحاطة هي أن يُغلبوا فيُصبِحوا أسرى , أو يَهلكوا , أو يقتربوا من الهلاك , أو يعجزوا عجزاً تاماً عن التغلّب على العدو.]

سيدنا يعقوب ختم الكلام بـ نصيحة أخيرة ومُهمة كمان

طلب منهم إنهم عند دخول المدينة يدخلوا من أبواب مختلفة مش من باب واحد

جايز يكون خاف عليهم من العين اللي تحسدهم لما تشوف جمالهم وعددهم وهيئتهم ؛ لإن العين حق زي ما سيدنا النبي قال

وجايز يكون خاف عليهم يلفتوا إنتباه الناس ليهم بعددهم وشكلهم وملابسهم اللي بتبيّن إنهم أغراب عن البلاد , ده ممكن يخلّي الحُرّاس على البوابة يفتكروهم جواسيس فـ يحبسوهم , أو يخلّي اللصوص يطمعوا فيهم فـ يسرقوهم

أو يخلّي الناس يشكّوا فيهم فـ يتهمّوهم بأي سرقة أو جريمة تحصل في فترة وجودهم .. {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ} ..[آية 67 : سورة يوسف]

وبرغم خوف سيدنا يعقوب والإحتياطات اللي أمرهم ياخدوها , إلا إنه -عليه السلام - إعترف في نهاية الكلام بإن إحتياطه ده مش هيمنع قدر الله إذا حَكم به , فـ وضّح لهم إن الحذر لا يرد القدر , بمعنى إن لو مكتوبلهم أي سوء مُقدّر عليهم يعيشوه , هيشوفوه , هو أخذ بالأسباب فقط , عشان يقدر بعدها يتوكّل على الله حقّ تَوَكّله , والأمر في الأول والآخر بـ يد الله .. { وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} .. [آية 67 : سورة يوسف]

القرآن ماوضحش النِيّة الي في نفس سيدنا يعقوب لكن عرّفنا إن أولاده نفّذوا أمره ودَخلوا من أبواب مُتفرّقة , وفي نفس الوقت الآية بتأكدّ لنا إن حَذرهم لوحده ماكَانش هينفعهم أو يتسبب في سلامتهم لولا إن ربنا هو اللي كَتب لهم السلامة وحماهم من أي أذى ممكن يحصل لهم

فـ أخذهم بالأسباب كان تحقيقاً لغرض ما في نفس سيدنا يعقوب

الله أعلم بما كان في نَفس نَبيّه الكريم , لكن من باب التَفَكُّر وإستنباط الدروس نقدر نقول إن الغرض ده ممكن يكون تعليم أولاده كيفية التفكير السليم والأخذ بالأسباب الظاهرية للسلامة ثم التَوَكُّل على الله بالتسليم القَلبي الكامل لأقداره .. { وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ۚ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} .. [ آية 68 : سورة يوسف]

_

بمجرد وصول الإخوة لمكان سيدنا يوسف , إستقبلهم أحسن إستقبال , ومَيّز بنيامين في الحال

إختلى بيه لأي سببٍ كان , وعَرّفه السر كمان

عَرّفه بنفسه وطمّنه على حاله اللي ربنا أنعم عليه بيه بعد غدر إخواته إللي - بإذن الله ورحمته - إنتهى بكل النِعَم اللي هو أصبح فيها دي.

{وَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَاْ أَخُوكَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} .. [ آية 69 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف فَكّر في طريقة تخلّي بنيامين يعيش معاه مُعزز مُكرّم ومايرجعش مع باقي إخواته [ وقيل إن بنيامين نفسه هو إللي طلب من سيدنا يوسف إنه يفضل معاه ومايرجعش معاهم]

سيدنا يوسف لاقى الفِكرة المُناسبة وإبتدا التنفيذ فوراً

بعد ما أتمّ لهم البيع وجهّزهم بما طلبوه من الطعام أمر الخَدم إنهم ياخدوا السقاية ويحطّوها في الحقيبة الخاصة بـ بنيامين تحديداً من غير ماحد ياخد باله .. { فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} ..[آية 70 : سورة يوسف]

[السِّقَايَةَ هي كأس من ذهب -أو فضة- بيشرب فيه المَلِك ؛ عشان كده إتسمى سِقاية , لأنه يُسقى به

وفي الوقت ده كانوا بيستعملوه كـ معيار للطعام بسبب ظروف القحط وقِلة الطعام وارتفاع شأنه ؛ عشان كده هنلاقي تسميته في الآيات القادمة "صُواع" من كلمة "صاع" وهو معيار للوزن والمكيال]

كان الإخوة إنتهوا من مهمتهم وبيستعدوا للسفر لما قطع إستعدادهم صوت عالي بينادي بـ منعهم من الرحيل ويتهمّهم هُمَّ تحديداً بالسِرقة !

{ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} ..[آية 70 : سورة يوسف]

[الْعِيرُ في الأساس هي الإبل أو الحمير التي تَحمِل الطعام, والمقصود بيها هنا القافلة أو بالأصح أصحاب الإبل الذين يرتحلون بالطعام والتجارة والمتاع بشكل عام]

إخوة سيدنا يوسف إندهشوا وسألوا عن الشيء المفقود اللي تم إتهامهم بسرقته! .. { قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم مَّاذَا تَفْقِدُونَ } ..[آية 71 : سورة يوسف]

جالهم الرد إن المسروق هو صُواع المَلِك اللي بيُستخدم في المعيار , واللي هيساهم فيهم في إيجاده هيكون له حمولة بعير كامل من الطعام الإضافي كـ مُكافئة على إيجاده .. { قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ }..[آية 72 : سورة يوسف]

[زَعِيمٌ يعني كفيل وضامن , كأني بقول أنا أزعُم - أو أضمن أو أتعهد- بـ إعطائه المُكافئة]

كان رد الإخوة بالإنكار والإستشهاد بـ سِيرتهم الحَسنة والأحداث السابقة لتأكيد أنهم بريئين من التُهمة وبعيدين عن أي فساد أو سَرِقة

يُروى أنهم كانوا يضعون الكمامات على أفواه الإبل الخاصة بهم حتى لا تأكل من زروع الناس وتُفسِدَها ..

ويُقال أنهم أعادوا البضاعة التي وَجدوها في رِحالِهم , فـ مَن أعاد ما وَجد كيف يسرِق ما ليس له؟

{ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } ..[آية 73 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف والمُنادي واللي معاه ردّوا عليهم بـ تحكيمهم على أنفسهم فخلّوهم يحددوا بنفسهم عقوبة السارق إذا اتضح كذبهم وكان فعلاً واحد منهم .. { قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِن كُنتُمْ كَاذِبِينَ } ..[آية 74 : سورة يوسف]

قالوله عقاب إللي هتلاقي الصُواع في حقيبته هو عقاب السارق

وفي شريعتنا عقاب السرقة أن يُستَرَقّ السارق لمُدّة مُعيّنة .. بمعنى إن حُريّته بتتسرق منه فيُصبح مملوك للي سَرقه فترة ما من الزمان - قيل أنها سنة- .. { قَالُوا جَزَاؤُهُ مَن وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ } ..[آية 75 : سورة يوسف]

إبتدا التفتيش لإعلان الحُكم الفاصِل في المسألة

ومن ذكاء وحِكمة سيدنا يوسف إنه بدأ التفتيش بجميع حقائبهم وأجّل حقيبة أخوه في الآخر عشان لما يطلّع منها الصواع مايبقاش فيه أي شك إنها كانت الحقيبة المقصودة من البداية

وقد كان .. { فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِن وِعَاءِ أَخِيهِ} .. [آية 76 : سورة يوسف]

بمجرد إستخراج الصواع من حقيبة بنيامين بقى من حق سيدنا يوسف إنه يستخدمه عنده سنة بالكامل بدون أي إعتراض من إخوته

وهنا بيظهر دور التدبير الرباني الدقيق إللي خلّى سيدنا يوسف يفكر في الفكرة دي وينفذها بالشكل ده وخلاّهم هُمّ بنفسهم يحكموا على نفسهم بحُكم الرِقّ إللي لولا حكموا بيه ماكنش سيدنا يوسف هيقدر يحتفظ بأخوه , لأن القانون السائد في مصر ساعتها إن عقاب السرقة الضرب والغرامة ضعفين وليس الاسترقاق.. {كَذَٰلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ ۖ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ}.. [آية 76 : سورة يوسف]

الآيات بتتجاوز تماماً صدمة الإخوة ورد فعلهم من وجود المفقود في حقيبة أخوهم وبتنتقل لوصف الأهم وهو تفاعلهم مع الموقف , نلاقيهم بيحاولوا يبعدوا عن نفسهم اللوم بـ إتهام الفرع التاني من أبناء سيدنا يعقوب بإن السرقة طبع فيهم وإن بنيامين أخذ الخصلة دي من شقيقه المفقود يوسف اللي سَبق وسَرق قبل إختفاؤه .. {قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ} ..[آية 77 : سورة يوسف]

[- يُروى إن سيدنا يوسف في طفولته كانت عمته بتحبه ومتعلقة بيه جداً، فـ طلبت من سيدنا يعقوب إنه يسمح لها تاخد سيدنا يوسف يفضل معاها في بيتها فترة ووافق سيدنا يعقوب إنها تستضيفه فترة ، ولما الفترة دي خلصت واشتاق سيدنا يعقوب لابنه واستعصب فُراقه أكتر من كده فـ طلبه , عمته من كتر تعلقها بيه ماكَانِتش عايزه تسيبه، فـ اخترعت حيلة تخليّه يفضل معاها وهي إنه سرق حاجة من عندها , يُقال إنه كان حزام لفته على وسطه تحت هدومه، واتهمته بالسِرقة اللي عِقابها في شرعهم زي ما قولنا إن اللي يتمسك بسرقته يُستعبد فترة من الزمن، وفعلا تحقق غرضها وقالت لسيدنا يعقوب ان ابنه سرقها ولازم يسيبه عندها شويه كمان.

- ويُقال إنه عليه السلام في طفولته سرق صنم من ذهب وفضة فرماه وكسّره , فـ عايره إخوته بالسرقة.]

هما قالوا الكلمة دي تنزهاً عن السرقة عشان يثبتوا إن المشكلة في أولاد الزوجة التانية إللي هُمَّ مش أشقاءهم , نوع من التشّفي وإلقاء اللوم على الآخرين .. كأنهم استغلوا الفرصة وكانوا مستنيين حاجة تأكدلهم إحساسهم إن أبوهم كان غلطان من البداية لما فضّل يوسف وأخوه عنهم!

سيدنا يوسف سمع إتهامهم ليه في غيابه بعد السنين دي كلها وبعد كل اللي عملوه فيه فـ عزّ عليه وأثّر فيه وحس بـ حزن كبير كتمه في قلبه

وأقرّ بينه وبين نفسه إنهم عند الله أكثر شراً من السارق لإنهم ارتكبوا جريمة في حقه لما رموه في البئر من سنين , وأضافوا جريمتين كمان الأولى بإثبات التُهمة على أخوهم البريء بنيامين والثانية بتأكيد تُهمة قديمة على سيدنا يوسف في غيابه رغم إنهم حتى مش متأكدين إنه يستحقها..

{ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ۚ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} .. [آية 77 : سورة يوسف]

بعد ما قالوا الي قالوه وإبتدوا يفوقوا من الحقد الي هما فيه , إفتكروا ابوهم يعقوب! افتكروا إنهم كانوا واخدين على نفسهم العهد والميثاق أمام الله وحالفين لأبوهم ومأكدين عليه إنهم هيرجعوا بأخوهم ليه .. ماينفعش المرادي كمان يخلفوا الوعد

إبتدوا يستعطفوا سيدنا يوسف ويستجلبوا رحمته وإحسانه بإن أبوهم راجل مُتقدم في العُمر كبير السن والمقام عند قومه , وبنيامين أصغر أولاده والأقرب إلى قلبه , فـ لو استبدل العقوبة وأخذ واحد منهم مكانه هينقذ أبوهم من حرقة قلبه .. {إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} .. [آية 78 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف رفض الاستبدال بكل حزم وحسم , وكان رفضه منطقي يوافق الحق والعدل, بإنه ماياخدش حد بريء بذنب حد تاني مفروض إنه سَرَق .. {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذًا لَّظَالِمُونَ} ..[آية 79 : سورة يوسف]

_

لما فقدوا الأمل في إقناع سيدنا يوسف , انفردوا ببعض وابتدوا يفكروا في حل لحالهم .. {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا} ..[آية 80 : سورة يوسف]

أكبر واحد فيهم إبتدا يخاطب ضميرهم ويعاتبهم على خذلان أبوهم للمرة التانية , وعن نفسه أخد قرار إنه مش هيتحرك من البلد دي غير لما أبوه يسمح له ويسامحه, أو ربنا يحكم له بأخذ أخوه أو حتى يأذن له بالقِتال في سبيل استرداده! .. {قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ۖ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } ..[آية 80 : سورة يوسف]

ووّصاهم يرجعوا لأبوهم ويحكوله إللي حصل من احتجاز بنيامين بسبب إتهامه بالسرقة ويثبتوله صِدقهم بغياب أخوهم الأكبر تنفيذاً للوعد وخوفاً من غضب الأب , ولو كذّبهم يستشهدوا بأهل مصر وباقي القوافل إللي كانت معاهم فـ شافت وشهدت أو سِمعت عن اللي حصل.. {ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا ۖ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ}

_

سيدنا يعقوب لما لاقاهم راجعين من غير اتنين من إخواتهم من ضمنهم بنيامين , سمع منهم قصتهم وعُذرهم ومُحاولة إثبات صدقهم, لكنه كان ساعتها وصل لـ قمة الإبتلاء الي دام سنين من وقت إختفاء يوسف وحتى الآن

فـ كان رده عليهم بنفس الكلام إللي قاله يوم فقدان سيدنا يوسف , إتهمهم إن أنفسهم الأمارة بالسوء هي إللي زيّنت لهم الفعل الخاطئ إللي كان سبب في غياب بنيامين , لإنه كان متأكد إن بنيامين مستحيل يسرق فمن الصعب تكون قصتهم دي صحيحة , وبالقياس على ماضيهم إللي بيشهد عليهم كان من الطبيعي عدم ثِقته فيهم.

لكن المرادي زوّد على الكلام أمل كبير في ربنا إنه قادر يلم شمله بأولاده الثلاثة , يوسف وبنيامين وأخوهم الكبير إللي مستنّي مع بنيامين, سيدنا يعقوب سلّم الأمر لله وصَمد عِند الإبتلاء فـ لم يفقد الأمل وتمسّك بالصبر , بأجمل أنواع الصبر , الصبر بلا شكوى مع إحسان الظن وإحتساب الأجر ..{ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } .. [آية 83 : سورة يوسف]

سيدنا يعقوب سابهم وإنعزل عنهم , إختلى بنفسه وتنزّه عن الشكوى لغير الله , المشكلة أصبحت أكبر لإن بُعد بنيامين قلّب عليه المواجع وهيّج في قلبه الأحزان فـ زاد ألمه على غياب سيدنا يوسف واشتدّت حَسرته وحُزنه لدرجة إنه من كثرة الدموع تكّونت غشاوة على عينيه فإنقلب سوادها بياضاً وضَعف نظره حتى كاد أن يعمى..{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} .. [آية 84 : سورة يوسف]

أولاده لما شافوه في الحالة دي رَق قلبهم ليه, إبتدوا يعاتبوه على إللي بيعمله في نفسه من باب الرأفة بحاله والخوف عليه

فهّموه إنه لو لم يتناسى مصيبة يوسف وذِكره والتحسّر عليه , صِحته هتروح وجسمه هيتعب وقُوّته هتختفي , ولو استمر كده كتير مش بعيد يموت من كُتر الضعف والحُزن عليه.. {قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} .. [آية 85 : سورة يوسف]

[حَرَضًا يعني مُشرفاً على الموت لشدة المرض أو الحُزن]

سيدنا يعقوب رد عليهم بإن حُزنه ده مش شكوى لنفسه عشان يحزن أكتر ويتحسّر على حاله زي ما هُمَّ مُعتقدين , إنما هو شكوى لله عشان يخفف عنه الحال ويوهبه الحل ولو كان -مَنطقياً- مُحال!

لأنه النبي الكريم الذي علّمه الله من عنده العلم الكثير فأصبح يعلم مدى إستجابة الله لدعوة المُضطر إذا دعاه , ويعلم من لُطف الله به وإحسانه إليه ما يستوجب حُسن الظن به سُبحانه, ويعلم أن رؤيا يُوسف صادقة فلابد له أن يكون حياً و يلقاه مُجدداً حتى تتحقق الرؤيا..{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} .. [آية 86 : سورة يوسف]

[- بَثِّي .. البثّ هو الهم الشديد بسبب كثرة التفكير , وقيل إن المصائب التي تُحزِن صاحبها لدرجة أنه لا يستطيع كتمانها تُسمى بثّ , لأنه لا يستطيع إخفائها فـ يَبُثُّها للغير

- " إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ "

الجُملة البديعة اللي بتقلب الحال وتحوّل الأفهام لحقيقة الموقف..

في تفسير ابن عاشور قال لَفتة جميلة جداً معناها إن أولاد سيدنا يعقوب لما عاتبوه على حُزنه المُستمر وعدم تناسيه لـ مُصيبة يوسف لدرجة إنه من كُتر مابيتحسّر عليه إبيَضّت عينيه وممكن يجراله حاجة

رد عليهم بالجُملة دي عشان يوضّح لهم إن شكوته مش من باب السخط ولا تذكير النفس لزيادة الحُزن زي ما هُمّ فاكرين

بالعكس، شكوته دي أساساً دعاء، بُكاؤه ده تَضَرُع في الدعاء

والدعاء عبادة

والعبادة نُؤجر عليها

فـ إبيضاض عينيه ده أثر ناشيء عن التضرع

فهيبقى زي مابنقول إن سيدنا النبي تَفَطّرت قدماه من كثرة قيام الليل، سيدنا يعقوب إبيَضت عيناه من كثرة البكاء في تضرعه إلى الله!

كأن الدرس المُستفاد إن كل واحد فينا يستغل أحزانه في التقرّب من الله بقلب أقرب للتضرع وعَين أقدَر على البُكاء

عبّر عن حُزنك بالشكل اللي ينفعك ويقرّبك من ربنا ويرضيه عنك ويزيدك في الدرجات كمان

مشاكلنا كنوز لو استعملناها في إثبات الصبر وزيادة القُرب ورفع الدرجات

مش معنى كده إرهاق النفس بكثرة البُكاء , بالعكس , المقصود إنك لو حسيت إنك عايز تبكي إتوضى وصلَّ ركعتين وإبكي وإنت ساجد , هتلاقي الشكوى طالعة منك على هيئة دعاء ورجاء فترفع راسك بعدها وإنت مرتاح ومطمّن ومُتفائل بإقتراب الفرج بإذن الله.]

أغلب الظن إن ربنا أوحى لسيدنا يعقوب بـ إبتداء البحث عن سيدنا يوسف إيذاناً بإنتهاء الإبتلاء

بنقول إنه كان أمر ربّاني لإن سيدنا يعقوب في اللحظة دي - وبعد كل سنين الكتمان دي- كشف لأولاده ثِقته في كذبهم في قصة الذئب اللي أكل يوسف لما أمرهم يبدأوا رحلة بحث جادّة عنه!

المرادي هو بيقول لهم يروحوا يبحثوا عن يوسف ويبعدوا عن قلوبهم اليأس في عدم إيجاده , بمعنى إن وجوده وبقاؤه على قيد الحياة هو أمر مُؤكد ومفروغ منه

لكن ده لا ينفي إن الحوار كان فيه مودة ورِفق وإستمالة لقلوبهم ببداية الكلام بكلمة " بَنِيَّ " فإشعارهم بعلاقة الأبوة والبُنوة اللي بتربطه بيهم يخليهم يستجيبوا بشكل أفضل

{يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} .. [آية 87 : سورة يوسف]

وقد كان .. قرر الإخوة في الحال العودة إلى مصر كبداية لرحلة البحث , هُمَّ على الأقل متأكدين إن بنيامين في مصر , فـ طبيعي إنهم يروحوا عنده الأول يحاولوا يستعيدوه من العزيز, وبعدها يكمّلوا بحثهم عن سيدنا يوسف.

_

إتحركت القافلة من جديد إتجاهاً لمصر في مهمة إسترداد بنيامين وشراء طعام في آن واحد, لكن المرادي كان شرائهم للطعام بكل ذل وإنكسار , حالهم الاقتصادي والنفسي مُتدهور تماماً لإن كل التُجّار رفضوا يبيعولهم أو يقايضوهم بالدراهم الردية إللي معاهم , لما وصلوا لسيدنا يوسف إستعطفوه إنه يقبل بضاعتهم الرديئة ويبيع لهم بيها الطعام , ويتوصى كمان بالميزان , يعني يعاملهم كأن بضاعتهم سليمة ويتمّ لهم وزنهم زي ماكان بيوزن لهم فيما مضى

فكّروه بجزاء الصدَقة وطلبوا منه يتصدق عليهم بكرمه وإحسانه في المكيال ويردلهم أخوهم كمان فهو أهلٌ لهذا الإحسان .. {فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} .. [آية 88 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف لما لاقهم في الذُل ده أشفق عليهم وتأثر بحالهم فـ أنهى التَخفّي وإبتدا يفكّرهم , واجههم بخطيئتهم القديمة في حق أخوهم يوسف وسوء مُعاملتهم فيما بعد لأخوهم بنيامين , لكنه حتى في عِتابه ليهم كان رحيم بيهم وإلتمس لهم العُذر قبل حتى مايعتذروا , فقال عنهم إن خطأهم ده كان في وقت جهلهم , عدم عِلمهم وقُصور عقلهم لصِغَر سِنّهم , أو جهلهم بعاقبة الأمر وبشاعة ما أقدموا عليه .. { قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ} .. [آية 89 : سورة يوسف]

[وهنا فيه إشارة واضحة إنهم إتغيّروا للأحسن وإنتفى عنهم الجهل اللي كان فيهم فيما سَبق, وده إللي بنشوفه فعلاً في موقفهم مع أبوهم وإستجابتهم لأمره وحِرصهم على رغبته والإستماتة في افتداء أخوهم بنيامين]

هنا إبتدا الإخوة يجمّعوا كل الخيوط ببعض , إبتدوا يركزّوا أكتر في ملامح العزيز إللي لو دققوا فيها شوية واستنتجوا ملامح يوسف لما يكبر هيلاقوه شبه العزيز إلى حد كبير

إبتدوا يفتكروا كلام أبوهم لما أكدّ عليهم يبحثوا عن يوسف بلا يأس وعلل ثِقته بإنه يعلم من الله ما لا يعلمون

إبتدوا يربطوا كلامه وأفعاله ببعض وعبّروا عن النتيجة إللي وصلولها بمُنتهى الإندهاش فـ سألوه إذا كان هو فعلاً يوسف ؟!

رد عليهم بالإيجاب وأكدّ لهم شكوكهم بإنه يوسف الطفل الي ظلموه ورموه من سنين فـ أنقذه ربه وأنعم عليه بكل النِعم دي

وتمّ نِعمته عليه فـ جمعه بشقيقه بنيامين رغم طول المسافة والسنين

{قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} .. [آية 90 : سورة يوسف]

هي دي اللحظة إللي الإخوة إعترفوا فيها بخطأهم في حق سيدنا يوسف بعد ما تذكّروا وقارنوا رد فعله بـ فعلهم , شعروا بالخجل لأنه قابل إسائتهم إليه بإحسانه عليهم

فـ أعلنوا إعتذارهم وإعترافهم بـ فضله عليهم اللي كان سببه في الأساس تمييز الله سبحانه وتعالى له ونِعَمِه التي اختصه بها عن سائر إخوته .. {قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} .. [آية 91 : سورة يوسف]

بعد إعترافهم وإعتذارهم كان رد سيدنا يوسف بالعفو والصفح والسماح على ما قد كان , لأ وطمّن قلوبهم كمان إن اليوم يوم صفح وغُفران , لا فيه لوم ولا تجريح ولا تعيير باللي كان

سيدنا يوسف تعدّى العفو بمراحل ووصل لإنه يدعيلهم إن ربنا كمان يسامحهم ويغفرلهم , وإبتدا يبشّرهم بسِعة رَحمة ربنا وغُفرانه للتائب المُعترف بذنبه النادم عليه .. {قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} .. [آية 92 : سورة يوسف]

سيدنا يوسف طلب من إخوته يروحوا يجيبوا أبوه وأهلهم كلهم عشان يعيشوا معاه ويستَقرّوا في مصر بعيداً عن القحط في البلاد المُجاورة

وأعطى لهم قميصه وطلب منهم يرموه على وجه أبوه عشان يعرف إنه لسه عايش وإنهم خلاص لاقوه فـ يرجع له بَصره ويرتاح قلبه.

معرفة سيدنا يوسف بحال أبوه وضَعف بصره لدرجة إنه مش هيشوف القميص من بعيد ومحتاج يقرّبه على وشه عشان يميّزه , ووثوقه إنه هيتم شفاؤه بإذن الله بعد إلقاء القميص بين إيديه

ده كله بيأكد لنا إن الأمر وحي من ربنا مش من سيدنا يوسف نفسه ..

{اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} .. [آية 93 : سورة يوسف]

_

الغريب والمُؤثر إن سيدنا يعقوب في بلاده البعيدة شمّ ريحة سيدنا يوسف و حَس بوجوده بمجرد ما القافلة اللي فيها قميصه إتحركت من مصر!

حاول يصرّح بإحساسه للي حواليه برغم إنه متأكد إنهم مش هيصدقّوه وجايز كمان يتهموه بالجنون وضعف العقل والتخريف .. {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ ۖ لَوْلَا أَن تُفَنِّدُونِ} .. [آية 94 : سورة يوسف]

لكن إللي حواليه ماكَانوش شامّين إللي هو شَمّه , ماكَانوش حاسين باللي هو حَسّه , فـ بطبيعة الحال إتهمّوه بالضلال والبُعد عن طريق الصواب أو الإنفصال عن الواقع بسبب محبته العظيمة ليوسف والأمل القديم إللي هو عايش عليه , إللي هيأّله حاجات مش موجودة ولا من المنطقي إنها تحصل ليه.. {قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } .. [آية 95 : سورة يوسف]

لكنها حصلت .. بعيداً عن أي مَنطق أو حِسابات دُنيوية , إتحققت المُفاجأة لما وصلت القافلة , الإخوة وصلوا بـ قميص يوسف , سَبقهم اللي معاه القميص عشان يعجّل بالبُشرى لوالده

نَفّذ اللي سيدنا يوسف قال عليه فـ رمى القميص عليه وبين إيديه , سيدنا يعقوب شَمّ فيه ريِحة سيدنا يوسف إللي كان حاسس بيها من قبليها بأيام .. إتأكدّ له إحساسه فـ واجه أهله وناسه وفكّرهم بـ ثِقته في رحمة ربنا وإحسانه إللي كانوا مش مصدقينه فيها وبيلموه عليها .. إتحققت المُعجزة ورجع سليم مُعافى بدون أي عمى أو ضعف بصر .. {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ۖ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} .. [آية 96 : سورة يوسف]

الإخوة زي ما إعترفوا بخطأهم عند سيدنا يوسف , كرروا إعترافهم وإعتذارهم عند أبوهم وزادوا على كلامهم رجاء إنه يسامحهم ويدعي ربنا يغفر لهم .. { قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ } .. [آية 97 : سورة يوسف]

ومن طَبع الكَريم الصَفح والمَغفِرة والعَفو عِند المَقدِرة .. وسيدنا يعقوب نبي كريم رحيم مُتسامح لدرجة إنه تناسى عذاب السنين دي كلها في لحظة نَدم صادِقة نِدموا فيها وتُوبة نَصحوها سارعوا إليها

سامحهم ووعدهم إنه هيستغفر لهم ربه إللي أرحم منه وأكثر قُدرة على المَغفِرة , فـ بشّرهُم برحمة ربنا لكنه في نفس الوقت حسسّهم بـ عَظَمتُه سُبحانه وعَظمة الذنب المطلوب وبالتالي فهو يحتاج إلى كَثرة إستغفار في أوقات الإستجابة وده كله بيبان مِن كلمة " سَوْفَ " إللي بتدلّ على إستمراره في الإستغفار من الآن وفي المُستقبل كمان.. {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} .. [آية 98 : سورة يوسف]

_

تنتقل بينا الآيات لمشهد من أهم المشاهد على الإطلاق

الإخوة مع الأب والأهل أجمعين وصلوا إلى مصر سالمين

سيدنا يوسف وبنيامين خرجوا لإستقبالهم مع الوزراء والمُستشارين تكريماً ليهم وترحيباً بيهم .. { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} .. [آية 99 : سورة يوسف]

[أَبَوَيْهِ .. المقصود بيها أبوه وأمه , لكن مُفسرين كتير قالوا إن والدة سيدنا يوسف توفت بعد ولادة بنيامين , وبالتالي فالمقصود هنا هما أبوه وخالته إللي كانت في مقام أمه , وقيل زوجة أبوه .. فالله أعلى وأعلم بالأصح]

دخلوا كلهم القصر فـ أجلس سيدنا يوسف أبويه على العرش .. [العرش هو سرير مُخصص للجلوس , وبنقول سرير مش كرسي لإن ميزته إن فيه مساحة تُمَكِّن الجالس من الإتكاء , مكان جلوس سيدنا يوسف للحُكم وإدارة المُلك]

وفي دقايق بنشوف الرؤية إللي شافها في منامه من سنين بتتحقق بسجودهم أجمعين ليه! .. {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ۖ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} ..[آية 100 : سورة يوسف]

[قيل إن السجود كان مجرد إيماء بالرأس وإنحناء بالجسم , وقيل كان شبه الركوع , وقيل إنه كان سجود فعلي عالأرض .. المؤكد والمُتفق عليه بين المُفسرين إن أياً كانت وضعية السجود ده فهو في جميع الأحوال كان سجود تحية وتكريم وليس سجود عِبادة

سجود التكريم كان مسموح بيه في شريعتهم تَحيّةً وإحتراماً للملوك و كِبار السِن أو المقام , ونُسِخ الحُكم في الإسلام فـ تم تحريم السجود لغير الله أياً كانت الأسباب]

سيدنا يوسف رغم السنين دي كلها إفتكر الرؤيا وإستشعر نِعمة ربنا في تحقيقها بالشكل إللي يرَفع قَدره بين قومه وأهله

وإبتدا في تِعداد نِعم الله عليه طول رِحلته وسنين حياته إللي كانت مليانة إبتلاءات عاشها وشافها بـ عين المُؤمن الراضي الشاكر إللي بيستشعر مِنح الله ونِعَمِه في إبتلاءاتِه ومِحَنِه

{وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}..[آية 100 : سورة يوسف]

[- من كمال عَفو سيدنا يوسف عن ذنب إخوته إنه أثناء تِعداد النِعم لم يذكر إنقاذ الله له من الجب رغم إنها نِعمة من أعظم وأولى النِعَم

إلا إنه ماحَبّش يفكّر إخواته باللي عملوه بعد ما سامحهم وقال لهم " لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ "

فـ تمّ كَرمه عليهم بتجاهل خطأهم رغم شناعته وإقتصر على شُكر النِعمة من غير تفاصيل لعدم اللوم أو التذكير.

- وحتى لما إتكلم عنهم قال " بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي " فـ ألقى اللوم على الشيطان تخفيفاً عنهم!

- نَّزَغَ يعني أدخل الفساد في قلب إخوته بإلقاء الحسد في نفوسهم]

_

في آخر مشهد من مشآهد القصة سيدنا يوسف تَحوّل من التَحدُّث بالنِعمة أمام الناس إلى مُناجاة الله وذِكر فَضلِه وشُكره..{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} .. [آية 101 : سورة يوسف]

[وسط كل المُلك والعِزّة دي , وبعد ذِكر وشُكر كل النِعم دي , كان الشيء الوحيد إللي سيدنا يوسف بيطلبه هو إن ربنا ينعم عليه بالنعمة الأعظم على الإطلاق في نظر أي عاقل مُدرِك لحقيقة الدنيا والآخرة, نِعمة الموت على دين التوحيد واللحوق بالصالحين وأبائه الأسبقين يعقوب وإسحاق وإبراهيم عليهم السلام أجمعين]

_

• ربنا لما حكى قصة سيدنا يوسف في القرآن ميّزها عن باقي القصص بـ سردها كاملة في سورة إتسمت بإسمه "سورة يوسف" , بعكس باقي القصص الي تم الإخبار بمشاهدها بشكل مُتقطع في سور مُختلفة

• في بداية سورة يوسف ربنا وصفها بإنها (أحسن القصص) , فـ إختلف العلماء ليه إتسمّت القصة دي تحديداً بأحسن القصص ..

- قيل لأنها أكتر قصة فيها عالم كامل من العِبر والحِكم, فإنت بتقرأها وتلاقي نفسك طِلعت منها بكمية دروس ومواقف غزيرة وواضحة تقجر تطبّقها في حياتك.

- وقيل بسبب عفو سيدنا يوسف عن إخوته وصبره عليهم وصفاء قلبه من ناحيتهم بمجرد إعترافهم بخطأهم رغم شناعته.

- وقيل لشمولها , ففيها ذِكر [الأنبياء والصالحين / العفة والغواية / سير الملوك والمماليك / الرجال والنساء / مكر النساء / التوحيد والفقه / تفسير الرؤيا ]

- وقيل لإن كل أفراد القِصة تَنَعّموا بنهاية سعيدة.

بس بالإضافة لـ كل الي فات نقدر نقول إن فيها حاجة مميزة بتخلّي أي حد يقراها يرتاح ويطمئن , هي إنها بتزرع جواك يقين إن ربنا دايماً قادر على نُصرة عَبده حتى لو إجتمع كل الناس على إيذاؤه .. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) الآية دي إتذكرت في بداية القصة لـِ تَصَف لنا نِهايتها وتُلَخِّص جميع أحداثها , إختصاراً لكل معاني الثقة بالله وتوضحياً لحقيقة إن ربنا الغالب دائماً وأبداً مهما طال البلاء ومهما كَثُرَ الأعداء.

_

وفي الأول و في الاخر دي كلها اجتهادات العلماء في محاولة تفسير كتاب الله , وربنا وحده الأعلى والأعلم بما يُصيب ويُخطئ منها .. قال تعالى "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا"

_

#قصص_الأنبياء

#رمز_العفة .. #سيدنا_يوسف

#لإن_إستمتاعك_بالقرآن_هيزيد_لما_تفهم_قصصه

_

المصادر :

• تفسير القرطبي

• تفسير ابن كثير

• تفسير ابن عاشور

• تفسير الطنطاوي

• قصص طارق السويدان

• قصص الشعراوي

• قصص نبيل العوضي

• موقع الملك سعود للمصحف الإلكتروني , تم الإستعانة به للتأكد من تفسير بعض الآيات

قصة سيدنا يوسف باللغة العربية (العامية المصرية)






تعليقات