أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

📁 آخر الأخبار

ما الفرق بين السور المكية والسور المدنية في القرآن الكريم

 الجواب

عناية المسلمين بالقرآن الكريم عناية فائقة ، ولا يعرف كتاب على وجه الأرض نال من الدراسة والشرح والبيان ما ناله القرآن ، حتى أنشأ العلماء مئات العلوم المستقلة المتعلقة به ، كان من أهمها علم : " المكي والمدني ".

ويمكن أن نوجز ببيان هذا العلم من علوم القرآن الكريم في المسائل الآتية :

أولا : بيان معنى مصطلح : " المكي والمدني ".

هو اصطلاح أطلقه العلماء ليميزوا بين الآيات والسور التي نزلت في المرحلة المكية للدعوة الإسلامية ، وبين ما نزل في المرحلة المدنية ، فاشتهر بين أكثر أهل العلم هذا التقسيم ، وجعلوا مناطه ومداره على الزمان ، وليس على المكان :

فالمكي من الآيات والسور : ما نزل قبل الهجرة النبوية ، سواء كان في مكة أو ضواحيها.

والمدني من الآيات والسور : ما نزل بعد الهجرة النبوية ، سواء كان مكان نزوله المدينة ، أو مكة بعد فتحها ، أو أي مكان في الجزيرة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم .

ثانيا : أهمية هذا العلم وفوائده .

1- معرفة الناسخ من المنسوخ : وهذه فائدة عظيمة مفيدة في فهم القرآن وبيانه ، فالنسخ – وهو إزالة حكم الآية بحكم جديد – واقع في القرآن ، ولتحديد الآية الناسخة لا بد من معرفة زمان نزولها ، هل هو قديم في بداية الإسلام ، أو متأخر ، فتكون الآية المدنية ناسخة للمكية ، إذا ثبت وقوع النسخ في حكمها .

2- معرفة تاريخ التشريع ومراحله ، وتلمس الحكمة في تدرج أحكامه وآياته ، حتى بلغت الكمال في آخر العهد النبوي ، ولا شك أن معرفة مراحل التشريع مفيدة جدا في فهم الشريعة ومقاصد القرآن وحكمته .

3- الوصول إلى الفهم الصحيح لآيات القرآن وسوره ، لأن معرفة تاريخ النزول وظرف الآيات يساعد كثيرا على فهمها واستجلاء مقاصدها ، فمن قطع النصوص عن سياقها الزماني أو المكاني فقد قطع على نفسه سبيل الحقيقة والفهم السليم .

4- ومن فوائده بيان عظيم عناية المسلمين بالقرآن الكريم ، حيث لم يحفظوا نصوصه فقط ، بل حفظوا ونقلوا الزمن الذي نزلت فيه ، ليكون ذلك شاهدا على الثقة المطلقة التي يمنحها المؤمنون لهذا الكتاب العظيم .

5- التذوق اللغوي لأساليب البيان العالية في القرآن الكريم ، فقد تميزت سور كل مرحلة مكية أو مدنية بأساليب بيانية تناسب ما تضمنته من معاني ومقاصد ، وكل هذه الأساليب لها من الرونق والبريق ما يأخذ الألباب ويدهش الأسماع ، ومعرفة المكي والمدني يساعد على هذا التذوق ويقربه للأذهان .

6- معرفة السيرة النبوية ، فقد استغرق تنزل القرآن الكريم ثلاثة وعشرين عاما ، رافق فيها جميع الأحداث التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان فهم " المكي والمدني " رافدا من روافد علم السيرة النبوية ، ومكملا لدراساته .

ثالثا : الفرق بين المكي والمدني .

تبين للعلماء – بعد تأمل السور المكية والسور المدنية – أن ثمة فرقا في الغالب بينهما من جهتين اثنتين : المضمون ، والأسلوب .

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

" يتميز القسم المكي عن المدني من حيث الأسلوب والموضوع :

أ- أما من حيث الأسلوب فهو :

1- الغالب في المكي قوة الأسلوب ، وشدة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين معرضون مستكبرون ، ولا يليق بهم إلا ذلك ، أقرأ سورتي المدثر ، والقمر .

أما المدني : فالغالب في أسلوبه اللين ، وسهولة الخطاب ؛ لأن غالب المخاطبين مقبلون منقادون ، أقرا سورة المائدة .

2- الغالب في المكي قصر الآيات ، وقوة المحاجة ؛ لأن غالب المخاطبين معاندون مشاقون ، فخوطبوا بما تقتضيه حالهم ، أقرا سورة الطور .

أما المدني : فالغالب فيه طول الآيات ، وذكر الأحكام مرسلة بدون محاجة ؛ لأن حالهم تقتضي ذلك ، أقرأ آية الدين في سورة البقرة .

ب- وأما من حيث الموضوع فهو :

1- الغالب في المكي تقرير التوحيد والعقيدة السليمة ، خصوصا ما يتعلق بتوحيد الألوهية والإيمان بالبعث ؛ لأن غالب المخاطبين ينكرون ذلك .

أما المدني : فالغالب فيه تفصيل العبادات والمعاملات ؛ لأن المخاطبين قد تقرر في نفوسهم التوحيد والعقيدة السليمة ، فهم في حاجة لتفصيل العبادات والمعاملات.

2- الإفاضة في ذكر الجهاد وأحكامه والمنافقين وأحوالهم في القسم المدني لاقتضاء الحال ، ذلك حيث شرع الجهاد وظهر النفاق ، بخلاف القسم المكي " انتهى.

"أصول التفسير" (ص/13)

ويقول الدكتور مناع القطان رحمه الله :

" استقرأ العلماء السور المكية والسور المدنية ، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني ، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات التي يتناولها ، وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات :

ضوابط المكي ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها سجدة فهي مكية .

2- كل سورة فيها لفظ " كلا " فهي مكية ، ولم ترد إلا في النصف الأخير من القرآن . وذُكرت ثلاثًا وثلاثين مرة في خمس عشرة سورة .

3- كل سورة فيها : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ، وليس فيها : ( يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواُ ) فهي مكية ، إلا سورة الحج ، ففي أواخرها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ) ، ومع هذا فإن كثيرًا من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك .

4- كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة فهي مكية ، سوى البقرة .

5- كل سورة فيها آدم وإبليس فهي مكية ، سوى البقرة كذلك .

ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية :

1- كل سورة فيها فريضة أو حد فهي مدنية .

2- كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية ، سوى العنكبوت ، فإنها مكية .

3- كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب فهي مدنية .

هذا من ناحية الضوابط ، أما من ناحية المميزات الموضوعية ، وخصائص الأسلوب ، فيمكن إجمالها فيما يأتي :

1- بيان العبادات ، والمعاملات ، والحدود ، ونظام الأسرة ، والمواريث ، وفضيلة الجهاد ، والصلات الاجتماعية ، والعلاقات الدولية في السلم والحرب ، وقواعد الحكم ، ومسائل التشريع .

2- مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ودعوتهم إلى الإسلام ، وبيان تحريفهم لكتب الله ، وتجنيهم على الحق ، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم .

3- الكشف عن سلوك المنافقين ، وتحليل نفسيتهم ، وإزاحة الستار عن خباياهم ، وبيان خطرهم على الدين .

4- طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة ويوضح أهدافها ومراميها " انتهى.

"مباحث في علوم القرآن" (62-64)

وأخيرا :

من أراد التفصيل في هذا العلم ، والاطلاع على كلام العلماء وتعدادهم للسور المكية والمدنية، واختلافهم في بعضها ، وكذلك الجواب على الشبه الساقطة التي أوردها المستشرقون حول هذا الموضوع ، فنحيله إلى المراجع الآتية :

"البرهان في علوم القرآن" للزركشي (1/187-206) ، "الإتقان في علوم القرآن" (1/34-59) ، "مناهل العرفان في علوم القرآن" لمحمد عبد العظيم الزرقاني (1/135-167)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟


تعليقات