شهد الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص جميع الغزوات مع النبي ﷺ، وقاد الجيش في معركة القادسية، وهزم الفرس، وهو فاتح مدائن كسرى، وباني الكوفة في العراق. وهو أوّل من رمى بسهم في سبيل الله، لم يسبقه في الإسلام إلا أبو بكر وعلي وزيد وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة والـستة الذين رشحهم عمر بن الخطاب لتكون إمارة المسلمين فيهم.
يُعد سعد بن أبي وقاص أحد أكثر الشخصيات تبجيلا عند أهل السنة والجماعة، حيث أنه من السّابقين الأوّلين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا إلى الإسلام، وأنه من العشرة المبشرين بالجنة، وأوّل من رمى بسهمٍ في سبيل الله، وحامل إِحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة، وأحد قادة الفتح الإسلامي لفارس، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده، وقد وردت أحاديث وآثار عديدة تبين فضل سعد ومكانته.
هو : سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.فهو من بني زهرة وهم فخذ آمنة بنت وهب أم الرسول، وقد كان الرسول يعتز بهذه الخؤولة فقد ورد أنه كان جالسا مع نفر من أصحابه فرأى سعد بن أبي وقاص مقبلا فقال لمن معه: ” هذا خالي فليرني أمرؤ خاله “
ولد سعد في مكة سنة 23 قبل الهجرة. نشأ سعد في قريش، واشتغل في بري السهام وصناعة القسي، وهذا عمل يؤهل صاحبه للائتلاف مع الرمي، وحياة الصيد والغزو، وكان يمضي وقته وهو يخالط شباب قريش وساداتهم ويتعرف على الدنيا من خلال معرفة الحجاج الوافدين إلى مكة المكرمة في أيام الحج ومواسمها، المتباينة الأهداف والمتنوعة الغايات.
أسلم سعد بن أبي وقاص وهو في الـ17 من عمره، وكان من أوائل الذين دخلوا في الإسلام عن طريق أول الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق، وقد أخفقت جميع محاولات رده وصده عن الإسلام.
ولإسلام سعد بن أبي وقاص قصة مع والدته، التي لجأت إلى وسيلة لم يكن أحد يشك في أنها ستهزم روح سعد وترد عزمه إلى وثنية أهله وذويه. فقد غضبت أم سعد بإسلامه غضبا شديدا، وحاولت جاهدة أن ترده عن دينه، إلا أنها لم تفلح، وفي هذه الواقعة، روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه رضي الله عنه قال: “حلفت أم سعد ألا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله أوصاك بوالديك، فأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: مكثت ثلاثا حتى غشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يقال له عمارة فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، الذي لاحظ أمه عندما اجتنبت الطعام ومكثت أياما على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها.
يقول سعد : “وما إن سمعت أمي بخبر إسلامي حتى ثارت ثائرتها، وكنت فتى بارا بها محبا لها، فأقبلت علي تقول: يا سعد، ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك؟ والله لتدعن دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك الناس أبد الدهر. فقلت: لا تفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء”.
فلما رأت أم سعد الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها ونزل قوله تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (العنكبوت-8).
كان لسعد بن أبي وقاص مواقف كثيرة ومشهودة وعظيمة، تدل على شجاعته ونصرته لهذا الدين، فمن ذلك أهمها:
1- ثباته يوم غزوة أُحد، فقد أبلى بلاء حسنا، وقيل إنه في هذا اليوم لم يبقَ حول النبي إلّا رجلان، هما سعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وكانا يقاتلان عنه أشدّ القتال..
2- اعتزاله للفتنة التي حدثت بين الصحابة من أهم مواقفه المشهودة، فعندما جاء إليه بعض الصحابة يسألونه القتال معهم، أخبرهم بأنّه لن يقاتل معهم حتى يعطوه سيفا له عينان ولسان يقول هذا مؤمن وهذا كافر.
3- ما رَوَتْهُ عائشةُ رضي الله عنها قالت: “سَهِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقْدِمَه المدينة، فقال: “ليت رجلًا صالحًا مِن أصحابي يحرسني الليلة”، قالت: فبَيْنَا نحن كذلك، سمعنا خَشْخَشَةَ سلاحٍ، فقال: “مَنْ هذا؟”، قال: “سعد بن أبي وقَّاص”، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما جاء بكَ؟”، قال: “وَقَعَ في نفسي خوفٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئتُ أحرسهُ”، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نام، قالت عائشةُ: فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعتُ غَطِيطَهُ”.
سعد البطل..الرامي الأول والأفضل
لم يكن أحد من بين صحابة رسول الله، عليه الصلاة والسلام، في مثل مهارة سعد بن أبي وقاص، في الرمي بالسهام. فقد عُرف بلقب في الإسلام، امتاز به واشتهر ونال به الشرف العظيم، وهو أنه أول من رمى بسهم في سبيل الله، حتى كان هو نفسُه يذكر ذلك تحدثا بنعمة الله عليه، وشكرا له بها، فيقول مفتخرا بحق وصدق: “والله، إني لأول رجل من العرب، رمى بسهم في سبيل الله.
ويعتبر سعد الوحيد الذي افتداه الرسول بأبويه حين قال له يوم أحد: “ارم سعد فداك أبي وأمي”..”، ويقول علي ابن أبي طالب:”ما سمعت رسول الله يفدي أحدا بأبويه إلا سعدا”.
ولرمية سعد الأولى قصة، ففي السنة الأولى للهجرة النبوية إلى المدينة، بعث رسول الله، أول سرية لمهمة استطلاع أخبار وشؤون المشركين في مكة، وعَقَدَ الراية فيها لعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وجعله أميرا على ستين رجلا من المهاجرين، ليس فيهم أحد من الأنصار، كان من بينهم سعد، فمضت السرية في طريقها لتحقيق ما أُمرت به، فبينما هم في مسير طريقهم ذلك، إذ رأوا عددا غير قليل يفوق عددهم من كفار قريش، تحت إمرة أبي سفيان بن حرب، ولأنّ رسول الله كان بعثهم سرية استطلاعية لا قتالية، لم يبادر أحد من المسلمين بمهاجمة المشركين، فلم يقع بين الفريقين قتال، إلا أن سعدا البطل المقدام، أبى إلا أن يصيب منهم بيديه القويتين في الحق، الماهرتين في الرمي، فأطلق على المشركين عددا من سهام كنانته، أصاب بها بعض رجالهم ودوابهم، فكان بذلك أول من رمى بسهم في سبيل الله، نصرة للإسلام، ودفاعا عن المسلمين.
خال الرسول ﷺ
بعد ذلك اليوم الأغر في حياة سعد بن أبي وقاص، شهد مع رسول الله المشاهد كلها، وكان المشهد الأعظم والأروع، بالنسبة إليه في يوم أحد، إذ تجلت فيه شجاعته في أبهى مظاهرها، عندما دافع عن الرسول دفاعا لا مثيل له.
وبعد غزوة أحد حظي سعد عند الرسول حُظوة عظيمة، حتى بلغ من شدة حب الرسول له أنه كان يفتخر به ويباهي، فيقول إذا رآه: (هذا خالي، فليرني امرؤ خاله). وذلك أن سعد قُرَشيّ من بني زُهرة، وبنو زهرة هم قوم أم رسول الله، السيدة آمنة. بهذا الأدب الجم، ولطف النفس، ولين الخلق، وكرم الطبع، كان النبي ﷺ يعامل أصحابه، إنه يقول لسعد: هذا خالي. مع أنه يكبره بنيّفٍ وعشرين سنة.
روايته للحديث
لسعد بن أبي وقاص في رواية الحديث جملة أحاديث صالحة، له في صحيحي البخاري ومسلم خمسة عشر حديثًا متفق عليهما، وانفرد له البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثًا، وله في مسند أحمد بن حنبل مائة سبعة وسبعون حديثًا، وروى عنه: عبد الله بن عمر بن الخطاب، وعائشة بنت أبي بكر، وعبد الله بن عباس، والسائب بن يزيد، جبير بن مطعم، وجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام، والمسور بن مخرمة، وعبد الله بن عامر بن ربيعة.
كما روى عنه بنوه: عامر، وعمر، ومحمد، ومصعب، وإبراهيم، وعائشة، وقيس بن أبي حازم، وسعيد بن المسيب، وأبو عثمان النهدي، وعمرو بن ميمون، والأحنف بن قيس، وعلقمة بن قيس النخعي، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، ومجاهد، وشريح بن عبيد الحمصي، وأيمن المكي، وبشر بن سعيد، وأبو عبد الرحمن السُلمي، وأبو صالح ذكوان، وعروة بن الزبير، وغيرهم.
ومن الأحاديث التي رواها عن النبي أنه قال: “دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.”
آخر من توفي من المهاجرين
تُوفي سعد بن أبي وقاص عام 55 من الهجرة في العقيق على بُعد 10 أميال من المدينة المنورة وحُمل إليها، ودُفن بالبقيع، وكان عمره حين الوفاة 77 عاما.
وكان سعد قد أوصى أهله أن يكفن في جُبة كان يرتديها يوم غزوة بدر، قائلا: (كفنوني بها، فإني لقيت المشركين فيها يوم بدر وهي علي، وإنما خبأتها لهذا اليوم)، ثم حُمل جثمانه إلى المدينة المنورة، وصلى عليه المسلمون في مسجد رسول الله، ودفن بالبقيع، وكان آخر من توفي من المهاجرين.